قوله تعالى : { الله لا إله إلا هو ليجمعنكم } ، اللام ، لام القسم تقديره : والله ليجمعنكم في الموت وفي القبور .
قوله تعالى : { إلى يوم القيامة } . وسميت القيامة قيامةً لأن الناس يقومون من قبورهم ، قال الله تعالى : { يوم يخرجون من الأجداث سراعاً } [ المعارج :43 ] وقيل : لقيامهم إلى الحساب ، قال الله تعالى : { يوم يقوم الناس لرب العالمين } . [ المطففين :6 ] قوله تعالى : { ومن أصدق من الله حديثاً } أي : قولاً ووعداً ، وقرأ حمزة والكسائي { أصدق } ، وكل صاد ساكنة بعدها دال بإشمام الزاي .
ثم بين - سبحانه - أن مصير العبادة جميعاً إليه يوم القيامة فقال - تعالى - { الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ } .
أى : الله الواحد الأحد الفرد الصمد والذى لا معبود بحق سواه ، كتب على نفسه أنه ليبعثنكم من قبوركم وليحشرنكم إلى الحساب فى يوم القيامة الذى لا شك فى حصوله ووقوعه . فالجملة الكريمة قررت أن العبادة الحق إنما هى لله رب العالمين ، كما قررت أن يوم الحساب آت لا شك فيه مهما أنكره الملحدون ، ومارى فيه الممارون .
ولفظ الجلالة مبتدأ ، وجملة { لا إله إِلاَّ هُوَ } خبر . وقوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } جواب قسم محذوف . أى والله ليحشرنكم من قبوركم للحساب يوم القيامة .
والجملة القسمية إما مستأنفة لا محل لها من الإِعراب ، أو هى خبر ثان للمبتدأ أو هى الخبر وجملة لا إله إلا له معترضة .
وقوله { لاَ رَيْبَ } فى محل نصب على الحال من يوم إذ الضمير فى قوله ( فيه ) يعود إلى اليوم . ويجوز أن يكون فى محل نصب على أنه نعت لمصدر محذوف دل عليه ليجمعنكم أى : ليجمعنكم جمعا لا ريب فيه .
والاستفهام فى قوله - تعالى - { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً } للإِنكار والنفى أى : لا يوجد فى هذا الوجود من هو أصدق من الله - تعالى فى حديثه وخبره ووعده ووعيده ، وذلك لأن الكذب قبيح ، والله - تعالى - منزه عن كل قبيح . ولأن الكاذب إنما يكذب لجر منفعة ، أو لدفع مضرة ، أو لجهله بقبح الكذب . . والله - تعالى - غنى عن كل شئ ، وقدير على كل شئ وخالق لكل شئ ، ومن كان كذلك لا يصدر عنه كذب وإنما يصدر عنه كل حق وصدق وعدل .
{ اللّهُ لآ إِلََهَ إِلاّ هُوَ لَيَجْمَعَنّكُمْ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { اللّهُ لا إلَهَ إلاّ هُوَ لَيَجْمَعَنّكُمْ } المعبود الذي لا تنبغي العبودة إلا له هو ، الذي له عبادة كل شيء وطاعة كل طائع . وقوله : { لَيَجَمَعَنّكُمْ إلى يَوْمِ القِيامَةِ } يقول : ليبعثنكم من بعد مماتكم ، وليحشرنكم جميعا إلى موقف الحساب الذي يجازي الناس فيه بأعمالهم ، ويقضي فيه بين أهل طاعته ومعصيته وأهل الإيمان به والكفر . { لا رَيْبَ فِيهِ } يقول : لا شكّ في حقيقة ما أقول لكم من ذلك وأخبركم من خبري : أنّي جامعكم إلى يوم القيامة بعد مماتكم . { وَمَنْ أصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثا } يعني بذلك : واعلموا حقيقة ما أخبركم من الخبر ، فإني جامعكم إلى يوم القيامة للجزاء والعرض والحساب والثواب والعقاب يقينا ، فلا تشكوا في صحته ، ولا تمتروا في حقيته ، فإن قولي الصدق الذي لا كذب فيه ، ووعدى الصدق الذي لا خلف له . { وَمَنْ أصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثا } يقول : وأيّ ناطق أصدق من الله حديثا ؟ وذلك أن الكاذب إنما يكذب ليجتلب بكذبه إلى نفسه نفعا أو يدفع به عنها ضرّا ، والله تعالى ذكره خالق الضرّ والنفع ، فغير جائز أن يكون منه كذب ، لأنه لا يدعوه إلى اجتلاب نفع إلى نفسه ، أو دفع ضرّ عنها سواه تعالى ذكره ، فيجوز أن يكون له في استحالة الكذب منه نظيرا ، ومن أصدق من الله حديثا وخبرا .
{ الله لا إله إلا هو } مبتدأ وخبر ، أو { الله } مبتدأ والخبر { ليجمعنكم إلى يوم القيامة } أي الله ، والله ليحشرنكم من قبوركم إلى يوم القيامة ، أو مفضين إليه أو في يوم القيامة ، ولا إله إلا هو ، اعتراض . والقيام والقيامة كالطلاب والطلابة وهي قيام الناس من القبور أو للحساب . { لا ريب فيه } في اليوم أو في الجمع فهو حال من اليوم ، أو صفة للمصدر { ومن أصدق من الله حديثا } إنكار أن يكون أحد أكثر صدقا منه ، فإنه لا يتطرق الكذب إلى خبره بوجه لأنه نقص وهو على الله محال .
لما تقدم الإنذار والتحذير الذي تضمنه قوله تعالى { إن الله كان على كل شيء حسيباً } [ النساء : 86 ] تلاه مقوياً له الإعلام بصفة الربوبية ، وحال الوحدانية ، والإعلام بالحشر ، والبعث من القبور ، للثواب ، والعقاب ، إعلاماً بقسم ، والمقسم به تقديره وهو : أو وحقه ، أو وعظمته ، { ليجمعنكم } والجمع هنا بمعنى الحشر ، فلذلك حسنت بعده { إلى } أي : إليه السوق والحشر ، و { القيامة } : أصلها القيام ، ولما كان قيام الحشر من أذل الحال وأضعفها إلى أشد الأهوال وأعظمها لحقته هاء المبالغة{[4179]} .
و{ لا ريب فيه } تبرئة هي وما بعدها بمثابة الابتداء تطلب الخبر ، ومعناه : لا ريب فيه في نفسه وحقيقة أمره ، وإن ارتاب فيه الكفرة فغير ضائر ، { ومن أصدق من الله حديثاً } ؟ ظاهره الاستفهام ومعناه تقرير الخبر ، تقديره : لا أحد أصدق من الله تعالى ، لأن دخول الكذب في حديث البشر إنما علته الخوف والرجاء ، أو سوء السجية ، وهذه منفية في حق الله تعالى وتقدست أسماؤه ، والصدق في حقيقته أن يكون ما يجري على لسان المخبر موافقاً لما في قلبه ، وللأمر المخبر عنه في وجوده ، و { حديثاً } نصب على التمييز .
استئناف ابتدائي ، جمع تمجيد الله ، وتهديداً ، وتحذيراً من مخالف أمره ، وتقريراً للإيمان بيوم البعث ، وردّاً لإشراك بعض المنافقين وإنكارهم البعث .
فاسم الجلالة مبتدأ . وجملة { لا إله إلا هو } معترضة بين المبتدأ وخبره لتمجيد الله .
وجملة { ليجمعنكم } جواب قسم محذوف واقع جميعه موقع الخبر عن اسم الجلالة . وأكّد هذا الخبر : بلام القسم ، ونون التوكيد ، وبتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي ، لتقوية تحقيق هذا الخبر . إبطالاً لأنكار الذين أنكروا البعث .
ومعنى { لا ريب فيه } نفي أن يتطرّقه جنس الريب والشكّ أي في مَجيئه ، والمقصود لا ريب حقيقياً فيه ، أو أنّ ارتياب المرتابين لوهنه نُزّل منزلة الجنس المعدوم .
والاستفهام عن أن يكون أحد أصدق من الله هو استفهام إنكاري . و« حديثاً » تمييز لنسبة فعل التفضيل .