الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۗ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثٗا} (87)

قوله تعالى : { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } : جوابُ قسمٍ محذوف ، وفي جملةِ هذا القسم مع جوابِه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُهما : أنها في محلِّ رفعٍ خبراً ثانياً لقوله " اللَّهُ " ، و " لا إلهَ إلا هو " جملةُ خبر أول . والثاني : انها خبر لقوله : " الله " أيضاً ، و " لا إله إلا هو " جملة اعتراضٍ بين المبتدأ وخبره . والثالث : أنها مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإِعراب . وقد تقدم إعراب

{ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } [ الآية : 255 ] و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ الآية : 3 ] في البقرة .

قوله : { إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } فيه ثلاثةُ أوجه ، أحدها : أنها على بابِها من انتهاءِ الغايةِ ، قال الشيخ : " ويكونُ الجمعُ في القبور ، أو تُضمِّن " ليجمعنَّكم " معنى ليحشرنَّكم " فيُعَدَّى ب " إلى " يعني أنه ضُمِّن الجمعُ معنى الحَشْر لم يَحْتج إلى تقدير مجموع فيه . وقال أبو البقاء - بعد أَنْ جَوَّز فيها أن تكونَ بمعنى " في " - " وقيل : هي على بابها أي : ليجمعنَّكم في القبور ، فعلى هذا يجوز أن يكون مفعولاً به ، ويجوز أن يكونَ حالاً أي : ليجمعنَّكم مُفْضِين إلى حساب يوم القيامة " يريد بقوله " مفعولاً به " أنه فَضْلَةٌ كسائرِ الفَضَلات نحو : " سرت إلى الكوفة " ولكن لا يَصِحُّ ذلك إلا بأَنْ يُضَمَّنَ الجمعُ معنى الحشر كما تقدم ، وأمَّا تقديرُه الحالَ ب " مُفَضِين " فغيرُ جائزٍ لأنه كونٌ مقيِّدٌ . والثاني : أنها بمعنى " في " أي : في يوم القيامة ، ونظيرُه قولُ النابغة :

فلا تَتْرُكَنِّي بالوعيدِ كأنني *** إلى الناسِ مَطْلِيُّ به القارُ أَجْرَبُ

أي : في الناس . والثالث : أنها بمعنى " مع " ، وهذا غيرُ واضح المعنى . والقيامة بمعنى القِيام كالطَّلابة والطِّلاب ، قالوا : ودَخَلَتْ التاءُ فيه للمبالغة كعَلاَّمة ونَسَّابة لشدةِ ما يقع فيه من الهَوْل ، وسُمِّي بذلك لقيامِ الناس فيه للحسابِ ، قال تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [ المطففين : 6 ] . والجملةُ من قوله : " لا ريب فيه " فيها وجهان ، أحدُهما : أنها في محلِّ نصب على الحال من " يوم " فالضمير في " فيه " يعودُ عليه ، والثاني : أنها في محلِّ نصبٍ نعتاً لمصدرٍ محذوف دَلَّ عليه " ليجمعنَّكم " أي : جمعاً لا ريبَ فيه ، والضميرُ يعود عليه والأولُ أظهرُ . " ومَنْ أصْدَقُ " تقدَّم نظيرُ هذه الجملة . و " حديثاً " نصبٌ على التمييز . وقرأ الجمهور " أَصْدَقُ " بصاد خالصة ، وحمزة والكسائي بإشمامها زاياً ، وهكذا كلُّ صادٍ ساكنةٍ بعدها دالٌ ، نحو : " تَصْدُقون " و " تَصْدِيَةً " وهذا كما فعل حمزة في { الصّرَاطَ } [ الفاتحة : 6 ] و { بِمُصَيْطِرٍ } [ الغاشية : 22 ] للمجانسةِ قَصْدَ الخِفَّةِ .