جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۗ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثٗا} (87)

{ الله{[1078]} لا إله إلا هو } مبتدأ وخبر { ليجمعنّكم إلى يوم القيامة } أي : والله ليحشرنكم من قبوركم إلى يوم القيامة أو ليجمعنكم في القبور إلى يوم القيامة { لا ريب فيه } في اليوم أو في الجمع { ومن أصدق من الله{[1079]} حديثا } وعدا ووعيدا .


[1078]:ولما ذكر فرضية القتال وأمر بالتحريض عليه والشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة وتعليم السلام، وأنه حسيب على كل شيء أخبر بأنه يجمعهم للمجازاة فقال: (الله لا إله إلا هو) الآية/12 وجيز.
[1079]:قوله حديثا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: سائر أهل السنة والحديث متفقون على أنه يتكلم بمشيئته وأنه لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء، وقد سمى الله القرآن حديثا ومحدثا فقال: (الله نزّل أحسن الحديث) وقال: (من أصدق من الله حديثا) وقال: (ما يأتيهم من ذكر ربهم محدث) (الأنبياء: 2)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحدث من أمره ما شاء) وهذا مما احتج به البخاري في صحيحه وغير صحيحه واحتج به غير البخاري كنعيم ابن حماد وحماد بن زيد، ومن المشهور عن السلف: القرآن كلام الله غير مخلوق منه يبدأ وإليه يعود انتهى. قال البخاري في صحيحه في كتاب الرد على الجهمية باب قول الله: (كل يوم هو في شأن) (الرحمن: 29)، (وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) (الأنبياء: 2)، وقول الله: (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) (الطلاق: 1)، وإن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (الشورى: 11). وقال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحدث من أمره ما يشاء وأن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة) انتهى ووقعت هذه العبارة في صحيح البخاري، وأيضا قال فيه في باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرهما من الخلائق: وهو فعل الرب وأمره فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه هو الخالق المكون غير مخلوق ومن كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مخلوق مكون. انتهى وقال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية قدس الله روحه: وأفعال الله عز وجل نوعان: متعد ولازم. فالمتعدي مثل الخلق والإعطاء ونحو ذلك. واللازم مثل الاستواء والنزول والمجيء والإتيان قال تعالى: (هو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش) (الحديد: 4)، فذكر اللفظين المتعدي واللازم وكلاهما حادث بقدرته ومشيئته، وهو متصف وتسمى هذه الأفعال أفعالا اختيارية التي يسميها الجهمية المعتزلة حلول الحوادث وهي كثيرة جدا بل الآيات التي تدل على الصفات الاختيارية كثيرة جدا، وهذا كقوله تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) (الأعراف: 11)، فهذا بين في أنه إنما أمر الملائكة بالسجود بعد خلق آدم لم يأمرهم في الأزل وكذلك قوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (آل عمران: 59)، فإنما قال له كن بعد أن خلقه من تراب لا في الأزل، وكذلك قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام (فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها) (النمل: 8)، (فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين) (القصص: 20)، فهذا بين في أنه إنما ناداه حين جاء، ولم يكن النداء في الأزل كما تقول الكلابية: إن النداء قائم بذات الرب في الأزل وهو لازم لذاته لم يزل ولا يزال مناديا له لكنه لما أتى خلق فيه إدراكا لما كان موجودا في الأزل إلى أن قال: والقرآن والسنة وكلام السلف قاطبة يقتضي أنه إنما ناداه وناجاه حين أتى لم يكن النداء موجودا قبل ذلك فضلا عن أن يكون قديما أزليا، وقال تعالى: (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) (الأعراف: 22)، وهذا يدل على أنه لما أكلا منها ناداهما لم ينادهما قبل ذلك وقال تعالى: (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) (القصص: 65). (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون) (القصص: 74)، فجعل النداء في يوم معين وذلك اليوم حادث كائن بعد أن لم يكن، وهو حينئذ يناديهم لم ينادهم قبل ذلك وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد) فبين أنه يحكم فيحلل ما يريد ويحرم ما يريد ويأمر بما يريد، فجعل التحليل والتحريم والأمر والنهي متعلقا بإرادته وهذه أنواع الكلام فدل على أنه يأمر بإرادته وينهى بإرادته، ويحلل بإرادته، ويحرم بإرادته، إلى أن قال: ومثل هذا كثير في القرآن، وكذلك في الإرادة والمحبة كقوله تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (يس: 82)، وقوله: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) (الكهف: 23 ،24)، وقوله: (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) (الفتح: 27)، وقوله: (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له) (الرعد: 11) ، وقوله: (وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا) (الإنسان: 28)، وقوله: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) (الإسراء: 86)، وأمثال ذلك في القرآن، فإن جوازم الفعل المضارع ونواصبه تخلصه للاستقبال مثل إن وأن، وكذلك إذا ظرف لما يستقبل من الزمان فقوله تعالى: (وإذا أراد الله) (الرعد: 11)، و(أن يشاء الله) (الكهف: 24)، ونحو ذلك يقتضي حصول إرادة مستقبلة ومشيئة مستقبلة وكذلك في المحبة والرضى قال تعالى: (إن منتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (آل عمران: 31)، إن هذا يدل على أنهم إذا اتبعوه أحبهم الله فإنه جزم قوله يحببكم الله، فجزمه جوابا للأمر وهو في معنى الشرط تقديره: إن تتبعوني يحببكم الله، ومعلوم أن جواب الشرط والأمر إنما يكون بعده لا قبله فمحبة الله لهم إنما تكون بعد اتباعهم الرسول، وقد مر بعض هذه العبارة بعينها في صفحة متقدمة فلا نعيده. وأطال رحمه الله وبيّن وفصّل وميّز الحق عن الباطل والصواب من الخطأ إلى أن قال: وكذلك كونه خالقا ورازقا ومحسنا وعادلا فإن هذه أفعال فعلها بمشيئته وقدرته إذ كان يخلق بمشيئته ويرزق بمشيئته ويحسن بمشيئته ويعدل بمشيئته والذي عليه جماهير المسلمين من السلف والخلف أن الخلق غير المخلوق فالخلق فعل الخالق والمخلوق مفعوله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بأفعال الرب وصفاته كما في قوله: (أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك). فاستعاذ بمعافاته كما استعاذ برضاه، وقد استدل أئمة السنة كأحمد وغيره على أن كلام الله غير مخلوق، لأنه استعاذ به فقال صلى الله عليه وسلم من نزل منزلا فقال أعوذ ب