محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۗ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثٗا} (87)

( الله لا اله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا87 ) .

( الله لا اله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة ) أي : ليبعثنكم من قبوركم ويحشرنكم إلى حساب يوم القيامة في صعيد واحد ، فيجازي كل عامل بعمله . قال الزمخشري : القيامة والقيام كالطلابة والطلاب . وهي قيامهم من القبور أو قيامهم للحساب . قال الله تعالى : ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) {[2058]} . ( لا ريب فيه ) أي لا شك في يوم القيامة أو في الجمع ( ومن أصدق من الله حديثا ) إنكار لأن يكون أحد أصدق منه تعالى في حديثه وخبره ووعده ووعيده ، وبيان لاستحالته . لأنه نقص وقبيح . إذ من كذب ، لم يكذب إلا لأنه محتاج إلى أن يجر منفعة بكذبه أو يدفع مضرة ، أو هو جاهل بقبحه ، أو هو سفيه لا يفرق بين الصدق والكذب في أخباره ، ولا يبالي بأيهما نطق . فظهر استحالة الكذب عليه جل شأنه . والغير ، وان دلت الدلائل على صدقه ، فكذبه ممكن إذا لم ينظر إليها .

/ فوائد

الأولى : قال الرازي : في كيفية النظم وجهان : أحدهما إنا بينا أن المقصود من قوله : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) ، أن لا يصير الرجل المسلم مقتولا . ثم انه تعالى أكد ذلك بالوعيد في قوله : ( إن الله كان على كل شيء حسيبا ) . ثم بالغ في تأكيد ذلك الوعيد بهذه الآية . فبين في هذه الآية أن التوحيد والعدل متلازمان . فقوله : ( لا اله إلا هو ) . إشارة إلى التوحيد . وقوله : ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة ) . إشارة إلى العدل . وهو كقوله : ( شهد الله أنه لا اله لا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط ) {[2059]} وكقوله : في طه : ( إنني أنا الله لا اله إلا أنا فاعبدوني وأقم الصلاة لذكري ) {[2060]} وهو إشارة إلى التوحيد . ثم قال : ( إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ) {[2061]} . وهو إشارة إلى العدل . فكذا في هذه الآية ، بين انه يجب في حكمه وحكمته أن يجمع الأولين والآخرين في عرصة القيامة . فينتصف للمظلومين من الظالمين . ولا شك أنه تهديد شديد . الوجه الثاني : كأنه تعالى يقول : من سلم عليكم وحياكم فاقبلوا سلامه وأكرموه وعاملوه بناء على الظاهر . فإن البواطن انما يعرفها الله الذي لا اله إلا هو . إنما تنكشف بواطن الخلق للخلق في يوم القيامة .

الثانية : قوله : ( لا اله إلا هو ) إما خبر للمبتدأ و ( ليجمعنكم الخ ) . جواب قسم محذوف ، والجملة القسمية مستأنفة لا محل لها . أو خبر ثان . وإما اعتراض ، والجملة القسمية خبر .

الثالثة : تعدية ( ليجمعنكم ) ب ( إلى ) لكونه بمعنى الحشر كما بينا . أو لكون ( إلى ) بمعنى ( في ) كما أثبته أهل العربية .


[2058]:|83/ المطففين/ 6|.
[2059]:|3/ آل عمران/ 18| (... لا اله الا هو العزيز الحكيم18).
[2060]:|20/ طه/ 14|.
[2061]:|20/ طه/ 15|