البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۗ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثٗا} (87)

{ الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه } قال مقاتل : نزلت فيمن شك في البعث ، فاقسم الله ليبعثنه .

ومناسبتها لما قبلها ظاهرة وهي : أنه تعالى لما ذكر أن الله كان على كل شيء حسيباً ، تلاه بالاعلام بوحدانية الله تعالى والحشر والبعث من القبور للحساب .

ويحتمل أن يكون لا إله إلا هو خبر عن الله ، ويحتمل أن يكون جملة اعتراض ، والخبر الجملة المقسم عليها ، وحذف هنا القسم للعلم به .

وإلى إما على بابها ومعناها : من الغاية ، ويكون الجمع في القبور ، أو يضمن معنى : ليجمعنكم معنى : ليحشرنكم ، فيعدى بإلى .

قيل : أو تكون إلى بمعنى في ، كما أولوه في قول النابغة :

فلا تتركني بالوعيد كأنني *** إلى الناس مطلى به القار أجرب

أي : في الناس .

وقيل : إلى بمعنى مع .

والقيامة والقيام بمعنى واحد ، كالطلابة والطلاب .

قيل : ودخلت الهاء للمبالغة لشدة ما يقع فيه من الهول ، وسمي بذلك إما لقيامهم من القبور ، أو لقيامهم للحساب .

قال تعالى : { يوم يقوم الناس لرب العالمين } ولما كان الحشر جائزاً بالعقل ، واجباً بالسمع ، أكده بالقسم قبله وبالجملة بعده من قوله : لا ريب فيه .

واحتمل الضمير في فيه أن يعود إلى اليوم ، وهو الظاهر .

وأن يعود على المصدر المفهوم من قوله تعالى : ليجمعنكم .

وتقدم تفسير لا ريب فيه في أول البقرة .

{ ومن أصدق من الله حديثاً } .

هذا استفهام معناه النفي ، التقدير : لا أحد أصدق من الله حديثاً .

وفسر الحديث بالخبر أو بالوعد قولان ، والأظهر هنا الخبر .

قال ابن عطية : وذلك أنّ دخول الكذب في حديث البشر إنما علته الخوف أو الرجاء أو سوء السجية ، وهذه منفية في حق الله تعالى ، والصدق في حقيقته أن يكون ما يجري على لسان المخبر موافقاً لما في قلبه ، والأمر المخير عنه في وجوده انتهى .

وقال الماتريدي : أي إنكم تقبلون حديث بعضكم من بعض مع احتمال صدقه وكذبه ، فإنْ تقبلوا حديث من يستحيل عليه الكذب في كل ما أخبركم به من طريق الأولى .

وطوّل الزمخشري هنا إشعاراً بمذهبه فقال : لا يجوز عليه الكذب ، وذلك أنَّ الكذب مستقل بصارف عن الإقدام عليه وهو قبحه الذي هو كونه كذباً وإخباراً عن الشيء بخلاف ما هو عليه ، فمن كذب لم يكذب إلا لأنه محتاج إلى أن يكذب ، ليجرّ منفعة ، أو يدفع مضرة ، أو هو غني عنه ، إلا أنه يجهل غناه ، أو هو جاهل بقبحه ، أو هو سفيه لا يفرق بين الصدق والكذب في أخباره ، ولا يبالي بأيهما نطق ، وربما كان الكذب أحلى على حنكه من الصدق .

وعن بعض السفهاء : أنه عوتب على الكذب فقال : لو غرغرت لهراتك به ، ما فارقته .

وقيل لكذاب : هل صدقت قط ؟ فقال : لولا أني صادق في قولي لا ، لقلتها .

فكان الحكيم الغني الذي لا تجوز عليه الحاجات ، العالم بكل معلوم ، منزهاً عنه كما هو منزه عن سائر القبائح انتهى .

وكلامه تكثير لا يليق بكتابه ، فإنه مختصر في التفسير .

وقرأ حمزة والكسائي : أصدق بإشمام الصاد زاياً ، وكذا فيما كان مثله من صاد ساكنة بعدها دال ، نحو : يصدقون وتصدية .

وأما إبدالها زاياً محضة في ذلك فهي لغة كلب .

وأنشدوا :

يزيد الله في خيراته *** حامي الذمار عند مصدوقاته

يريد : عند مصدوقاته .

/خ93