قوله عز وجل :{ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } الآية . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد ابن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب ، أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالا : " لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ ، كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم : أنه لا يأتيك منا أحد -وإن كان على دينك- إلا رددته إلينا ، وخليت بيننا وبينه . فكره المؤمنون ذلك وأبى سهيل إلا ذلك ، فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فرد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلماً ، وجاءت المؤمنات مهاجرات ، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مهاجرة وهي عاتق ، فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن : { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } إلى { ولا هم يحلون لهن } " قال عروة فأخبرتني عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن بهذه الآية : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات } إلى قوله : { غفور رحيم } قال عروة : فأخبرتني عائشة رضي الله عنها : فمن أقرت بهذا الشرط منهن قال لها النبي صلى الله عليه وسلم قد بايعتك كلاماً يكلمها به ، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما بايعهن إلا بقوله . قال ابن عباس : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً حتى إذا كان بالحديبية صالحه مشركو مكة على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ومن أتى أهل مكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه إليه ، وكتبوا بذلك كتاباً وختموا عليه ، فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة بعد الفراغ من الكتاب ، فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم -وقال مقاتل : هو صيفي ابن الراهب- في طلبها ، وكان كافراً ، فقال : يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا ، وهذه طية الكتاب لم تجف بعد ، فأنزل الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } من دار الكفر إلى دار الإسلام ، { فامتحنوهن } قال ابن عباس : امتحانها : أن تستحلف ما خرجت لبغض زوجها ولا عشقاً لرجل من المسلمين ، ولا رغبة عن أرض إلى أرض ، ولا لحدث أحدثته ولا التماس دنيا ، وما خرجت إلا رغبة في الإسلام وحباً لله ولرسوله . قال : فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فحلفت فلم يردها ، وأعطى زوجها مهرها وما أنفق عليها ، فتزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان يرد من جاءه من الرجال ويحبس من جاءه من النساء بعد الامتحان ويعطي أزواجهن مهورهن . { الله أعلم بإيمانهن } أي هذا الامتحان لكم ، والله أعلم بإيمانهن ، { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } ما أحل الله مؤمنة لكافر ، { وآتوهم } يعني أزواجهن الكفار ، { ما أنفقوا } عليهن يعني المهر الذي دفعوا إليهن ، { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } أي مهورهن ، أباح الله نكاحهن للمسلمين ، وإن كان لهن أزواج في دار الكفر لأن الإسلام فرق بينهن وبين أزواجهن الكفار ، { ولا تمسكوا } قرأ أبو عمرو ، ويعقوب : بالتشديد ، والآخرون : بالتخفيف ، من الإمساك { بعصم الكوافر } والعصم : جمع عصمة ، وهي ما يعتصم به من العقد والنسب . والكوافر : جمع الكافرة ، نهى الله المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات ، يقول : من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتد بها فقد انقطعت عصمة الزوجية بينهما . قال الزهري : فلما نزلت هذه الآية طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأتين كانتا له بمكة مشركتين : قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة ، فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان ، وهما على شركهما بمكة ، والأخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم ابنه عبد الله بن عمر ، فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم ، وهما على شركهما ، وكانت أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب تحت طلحة ابن عبيد الله ، فهاجر طلحة وهي بمكة على دين قومها ، ففرق الإسلام بينهما ، فتزوجها في الإسلام خالد بن سعيد بن العاص بن أمية . قال الشعبي : وكانت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أبي العاص بن الربيع أسلمت ولحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأقام أبو العاص بمكة مشركاً ، ثم أتى المدينة فأسلم ، فردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . { واسألوا } أيها المؤمنون ، { ما أنفقتم } أي : إن لحقت امرأة منكم بالمشركين مرتدة فاسألوا ما أنفقتم من المهر إذا منعوها ممن تزوجها منهم ، { وليسألوا } يعني : المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم { ما أنفقوا } من المهر ممن تزوجها منكم ، { ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم } .
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان بعض الأحكام التى تتعلق بالنساء المؤمنات ، اللاتى تركن أزواجهن الكفار ، ورغبن فى الهجرة إلى دار السلام فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا . . . . } .
قال الإمام القرطبى : قوله - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ } : لما أمر الله المسلمين بترك موالاة المشركين ، واقتضى ذلك مهاجرة المسلمين عن بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام ، وكان التناكح من أوكد أسباب الموالاة ، فبين - سبحانه - أحكام مهاجرة النساء .
قال ابن عباس : جرى الصلح مع مشركى قريش عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ، فجاءت سعيدة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب ، والنبى - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية بعد ، فأقبل زوجها - وكان كافرا . . . فقال : يا محمد ، اردد على امرأتى ، فإنك شرطت ذلك ، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .
وقيل : " جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط ، فجاء أهلها يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يردها .
وقيل : هربت من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخويها وحبسها ، فقالوا للنبى - صلى الله عليه وسلم - ردها علينا للشرط ، فقال : " كان الشرط فى الرجال لا فى النساء " فأنزل الله هذه الآية " ، والمعنى : يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإيمان ، { إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ } ، من دار الكفر الى دار الإيمان ، وراغبات فى فراق الكافرين ، والبقاء معكم .
{ فامتحنوهن } أي : فاختبروهن اختبارا يغلب معه الظن بأنهن صادقات في هجرتهن وفي إيمانهن ، وفي موافقة قلوبهن لألسنتهن .
وقد ذكر ابن جرير فى كيفية امتحانهن صيغا منها : ما جاء عن ابن عباس أنه قال : كانت المرأة إذا أتت رسول الله - صلى الله عليها وسلم - حلفها بأنها ما خرجت بغضا لزوجها ، ولا رغبة فى الانتقال من أرض إلى أرض ، ولا التماسا لدنيا ، وإنما خرجت حبا لله ولرسوله .
وجملة : { الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } معترضة لبيان أن معرفة خفايا القلوب ، مردها إلى الله - تعالى - وحده .
قال صاحب الكشاف : قوله : { الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } أى : منكم ، لأنكم لا تكسبون فيه علما تطمئن معه نفوسكم ، وإن استحلفتموهن ودرستم أحوالهن ، وعند الله حقيقة العلم به .
والمراد بالعلم فى قوله - تعالى - : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار } الظن الغالب ، أي : فإن غلب على ظنكم بعد امتحانهن أنهن مؤمنات صادقات فى إيمانهن ، فأبقوهن عندكم ، ولا ترجعوهن إلى أزواجهن أو إلى أهلهن من الكفار .
وسمى الظن القوي علما للإيذان بأنه كالعلم فى وجوب العمل بمقتضاه ، وإنما رد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرجال الذين جاءوه مؤمنين بعد صلح الحديبية ، ولم يرد النساء المؤمنات ، لأن شرط الرد كان فى الرجال ولم يكن فى النساء - كما سبق أن ذكرنا نقلا عن القرطبى - ، ولأن الرجل لا يخشى عليه من الفتنة فى الرد ما يخشى على المرأة ، من إصابة المشرك إياها ، وتخويفها ، وإكراهها على الردة .
قال بعض العلماء : قال كثير من المفسرين : إن هذه الآية مخصصة لما جاء فى معاهدة صلح الحديبية ، والتى كان فيها من جاء من الكفار مسلما إلى المسلمين ردوه إلى المشركين ، ومن جاء من المسلمين كافرا للمشركين ، لا يردونه على المسلمين ، فأخرجت الآية النساء من المعاهدة ، وأبقت الرجال ، من باب تخصيص العموم .
وتخصيص السنن بالقرآن ، وتخصيص القرآن بالسنن ، أمر معلوم .
ومن أمثلة تخصيص السنة بالكتاب ، قوله : - صلى الله عليه وسلم - : " ما أبين من حى فهو ميت " أى : فهو محرم ، فقد جاء تخصيص هذا العموم بقوله - تعالى - : { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا } أى : ليس محرما ، ومن أمثلة تخصيص الكتاب بالسنة قوله - تعالى - : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم } فقد جاء تخصيص هذا العموم بحديث : " أحلت لنا ميتتان ودمان ، أما الميتتان : فالجراد والحوت ، وأما الدمان : فالكبد والطحال " .
وقال بعض المفسرين : إنها ليست مخصصة للمعاهدة ، لأن النساء لم يدخلن فيها ابتداء ، وإنما كانت فى حق الرجال فقط .
والذي يظهر - والله أعلم - أنها مخصصة لمعاهدة الحديبية ، وهي من أحسن الأمثلة لتخصيص السنة بالقرآن - كما قال الإمام ابن كثير .
وقوله - سبحانه - : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } تعليل للنهى عن رد المؤمنات المهاجرات إلى دار الكفر ، أو إلى أزواجهن الكفار .
أى : لا ترجعوا - أيها المؤمنون - النساء المؤمنات المهاجرات إليكم من أرض الكفر إلى أزواجهن الكافرين ، فإن هؤلاء المؤمنات صرن بسبب إيمانهن لا يصح ارتباطهن بأزواجهن الكفار ، كما لا يصح لهؤلاء الكافرين الارتباط بالنساء المؤمنات .
فالجملة الكريمة المقصود بها تأكيد النهى عن رد المؤمنات المهاجرات إلى أرض الكفر ، ووجوب التفرقة بين المرأة المؤمنة وزوجها الكافر فى جميع الأحوال .
قال ابن كثير : هذه الآية هى التى حرمت المسلمات على المشركين وقد كان ذلك جائزا فى أول الإسلام ، أن يتزوج المشرك المؤمنة . . .
وقوله - تعالى - : { وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } بيان لمظهر من مظاهر عدالة الإسلام فى أحكامه . والخطاب لولاة الأمور . وهذا الإيتاء إنما هو للأزواج المعاهدين ، أما إذا كانوا حزبيين فلا يعطون شيئا .
أي : وسلموا إلى المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات ، ما دفعوه لهن من مهور ، قال القرطبى : قوله : { وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } : أمر الله - تعالى - إذا أُمسِكَتْ المرأة المسلمة ، أن يرد إلى زوجها المشرك ما أنفق ، وذلك من الوفاء بالعهد ، لأنه لما مُنِع من أهله ، بحرمة الإسلام ، أمر- سبحانه - برد المال إليه ، حتى لا يقع عليهم خسران من الوجهين : الزوجة والمال .
فالمراد بقوله - تعالى - { مَّآ أَنفَقُواْ } : ما دفعه المشركون لأزواجهم المؤمنات .
وعبر عن هذه المهور بالنفقة ، للإشعار بأن هؤلاء الزوجات المؤمنات ، أصبحت لا صلة لهن بأزواجهن المشركين .
وقوله - سبحانه - : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } تكريم لهؤلاء النساء المشركين ، وبعد استبرائكم لأرحامهن ، وعليكم أن تدفعوا لهن مهورهن كاملة غير منقوصة .
ونص على دف المهر لهن - مع أنه أمر معلوم - لكى لا يتوهم متوهم ، أن رد المهر إلى الزوج الكافر ، يغنى عن دفع مهر جديد لهن إذا تزوجن بعد ذلك بأزواج مسلمين ، إذ المهر المردود للكفار ، لا يقوم مقام المهر الذى يجب على المسلم إذا ما تزوج بامرأة مسلمة فارقت زوجها الكافر .
والمراد بالإيتاء : ما يشمل الدفع العاجل ، والتزام الدفع فى المستقبل .
ثم نهى الله - تعالى - المسلمين عن إبقاء الزوجات المشركات فى عصمتهم فقال : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر } .
والعصم : جمع عصمة ، والمراد بها هنا : عقد النكاح الذي يربط بين الزوج والزوجة ، والكوافر : جمع كافرة ، كضوارب جمع ضاربة .
أي : ولا يصح لكم - أيها المؤمنون - أن تبقوا فى عصمتكم ، زوجاتكم اللائي آثرن الكفر على الإيمان ، وأبين الهجرة معكم من دار الكفر إلى دار الإسلام ، وقد بادر المسلمون بعد نزول هذه الآية بتطليق زوجاتهم الكافرات فطلق عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - امرأتين له كانتا مشركتين ، وطلق طلحة بن عبيد الله إحدى زوجاته وكانت مشركة .
وهذه الجلمة الكريمة تأكيد لقوله - تعالى - قبل ذلك : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } .
ثم بين - سبحانه - حكما آخر من الأحكام التى تدل على عدالة الإسلام فى تشريعاته فقال : { وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ } والجملة الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك : { وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } .
أي : كما أنى شرعت لكم أن تعطوا الأزواج المشركين ، مهور نسائهم المسلمات اللائى فررن إليكم ، وتركن أزواجهن الكفار ، فكذلك شرعت لكم أن تطلبوا مهور نسائكم المشركات اللائى انفصلتم عنهن لكفرهن ، ولحقن بهؤلاء المشركين ، وليطلب المشركون منكم مهور نسائهم المؤمنات اللائى انفصلن عنهم وهاجرن إليكم .
ثم ختم - سبحانه - هذه الآية الكريمة ببيان أن هذه الأحكام ، إنما هى من الله - تعالى - العليم بأحوال النفوس ، الحكيم فى أقواله وأفعاله ، فقال : { ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
أي : ذلكم الذى ذكرناه لكم من تشريعات تتعلق بالمؤمنات المهاجرات هى أحكام من الله - تعالى - فاتبعوها ، فهو - سبحانه - صاحب الحكم المطلق بينكم ، وهو - سبحانه - عليم بأحوال عباده ، حكيم فى كل تصرفاته وتشريعاته .
ونكتفي بهذا القدر من الاستطراد لنعود إلى سياق السورة في حكم المؤمنات المهاجرات : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ، الله أعلم بإيمانهن ، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ، وآتوهم ما أنفقوا ، ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ؛ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا . ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم . وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) . .
وقد ورد في سبب نزول هذه الأحكام أنه كان بعد صلح الحديبية الذي جاء فيه : " على ألا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا " . . فلما كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والمسلمون معه بأسفل الحديبية جاءته نساء مؤمنات يطلبن الهجرة والانضمام إلى دار الإسلام في المدينة ؛ وجاءت قريش تطلب ردهن تنفيذا للمعاهدة . ويظهر أن النص لم يكن قاطعا في موضوع النساء ، فنزلت هاتات الآيتان تمنعان رد المهاجرات المؤمنات إلى الكفار ، يفتن في دينهن وهن ضعاف .
ونزلت أحكام هذه الحالة الدولية معها ، تنظم التعامل فيها على أعدل قاعدة تتحرى العدل في ذاته دون تأثر بسلوك الفريق الآخر ، وما فيها من شطط وجور . على طريقة الإسلام في كل معاملاته الداخلية والدولية .
وأول إجراء هو امتحان هؤلاء المهاجرات لتحري سبب الهجرة ، فلا يكون تخلصا من زواج مكروه ، ولا طلبا لمنفعة ، ولا جريا وراء حب فردي في دار الإسلام !
قال ابن عباس : كان يمتحنهن : بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله .
وقال عكرمة : يقال لها : ما جاء بك إلا حب الله ورسوله ، وما جاء بك عشق رجل منا ، ولا فرارا من زوجك .
وهذا هو الامتحان . . وهو يعتمد على ظاهر حالهن واقرارهن مع الحلف بالله . فأما خفايا الصدور فأمرها إلى الله ، ولا سبيل للبشر إليها : ( الله أعلم بإيمانهن . . )فإذا ما أقررن هكذا ( فلا ترجعوهن إلى الكفار ) . .
( لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) . .
فقد أنبتت الوشيجة الأولى . . وشيجة العقيدة . . فلم تعد هناك وشيجة أخرى يمكن أن تصل هذه القطيعة . والزوجية حالة امتزاج واندماج واستقرار ، لا يمكن أن تقوم إذا انقطعت هذه الوشيجة الأولى . والإيمان هو قوام حياة القلب الذي لا تقوم مقامه عاطفة أخرى ، فإذا خوى منه قلب لم يستطع قلب مؤمن أن يتجاوب معه ، ولا أن يأنس به ، ولا أن يواده ولا أن يسكن إليه ويطمئن في جواره . والزواج مودة ورحمة وأنس وسكن .
وكان الأمر في أول الهجرة متروكا بغير نص ، فلم يكن يفرق بين الزوجة المؤمنة والزوج الكافر ؛ ولا بين الزوج المؤمن والزوجة الكافرة ، لأن المجتمع الإسلامي لم يكن قد استقرت قواعده بعد . فأما بعد صلح الحديبية - أو فتح الحديبية كما يعتبره كثير من الرواة - فقد آن أن تقع المفاصلة الكاملة ؛ وأن يستقر في ضمير المؤمنين والمؤمنات ، كما يستقر في واقعهم ، أن لا رابطة إلا رابطة الإيمان ، وأن لا وشيجة إلا وشيجة العقيدة ، وأن لا ارتباط إلا بين الذين يرتبطون بالله .
ومع إجراء التفريق إجراء التعويض - على مقتضى العدل والمساواة - فيرد على الزوج الكافر قيمة ما أنفق من المهر على زوجته المؤمنة التي فارقته تعويضا للضرر . كما يرد على الزوج المؤمن قيمة ما أنفق من المهر على زوجته الكافرة التي يطلقها من عصمته .
وبعد ذلك يحل للمؤمنين نكاح المؤمنات المهاجرات متى آتوهن مهورهن . . مع خلاف فقهي : هل لهن عدة ، أم لا عدة إلا للحوامل حتى يضعن حملهن ? وإذا كانت لهن عدة فهل هي عدة المطلقات . . . ثلاثة قروء . . أم هي عدة استبراء للرحم بحيضة واحدة ?
( وآتوهم ما أنفقوا ، ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن . ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ) .
ثم يربط هذه الأحكام كلها بالضمانة الكبرى في ضمير المؤمن . ضمانة الرقابة الإلهية وخشية الله وتقواه :
( ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم ) . .
وهي الضمانة الوحيدة التي يؤمن عليها من النقض والالتواء والاحتيال . فحكم الله ، هو حكم العليم الحكيم . وهو حكم المطلع على ذوات الصدور . وهو حكم القوي القدير . ويكفي أن يستشعر ضمير المسلم هذه الصلة ، ويدرك مصدر الحكم ليستقيم عليه ويرعاه . وهو يوقن أن مرده إلى الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنّ إِلَى الْكُفّارِ لاَ هُنّ حِلّ لّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلّونَ لَهُنّ وَآتُوهُم مّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا جاءَكُمُ النساء المُوءْمِناتُ مُهاجِراتٍ من دار الكفر إلى دار الإسلام فامْتَحِنُوهُن وكانت محنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهن إذا قَدِمن مهاجرات ، كما حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن قيس بن الربيع ، عن الأغرّ بن الصباح ، عن خليفة بن حصين ، عن أبي نصر الأسديّ ، قال : سُئل ابن عباس : كيف كان امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ؟ قال : كان يمتحنهنّ بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الحسن بن عطية ، عن قيس ، قال : أخبرنا الأغر بن الصباح ، عن خليفة بن حصين ، عن أبي نصر ، عن ابن عباس في : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا جاءَكُمُ المُوءْمِناتُ مُهاجِراتٍ فامْتَحِنُوهُنّ }قال كانت المرأة إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفها بالله ما خرجت . . . ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ ، أن عائشة قالت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن المؤمنات إلا بالآية ، قال الله : { إذَا جاءَكَ المُوءْمِناتُ يُبايِعْنَكَ على أنْ لا يُشْرِكْنَ باللّهِ شَيْئا ولا . . . ولا . . . } .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت : كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنّ بقول الله : { يا أيّها النّبِيّ إذَا جاءَكَ المُوءْمِناتُ يُبايِعْنَكَ . . . }إلى آخر الآية ، قالت عائشة : فمن أقرّ بهذا من المؤمنات ، فقد أقرّ بالمحبة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهنّ قال لهنّ : «انطلقن فقد بايعتكن » ، ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قطّ ، غير أنه بايعهنّ بالكلام قالت عائشة : والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قطّ ، إلا بما أمره الله عزّ وجلّ ، وكان يقول لهنّ إذا أخذ عليهن «قد بايعتكنّ كلاما » .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا جاءَكُمُ المُوءْمِناتُ مُهاجِراتٍ . . . }إلى قوله : { عَلِيمٌ حَكِيم }كان امتحانهنّ أن يشهدن أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { فامْتَحِنُوهُنّ } قال : سلوهنّ ما جاء بهنّ فإن كان جاء بهنّ غضب على أزواجهنّ ، أو سخطة ، أو غيره ، ولم يؤمنّ ، فارجعوهنّ إلى أزواجهنّ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { فامْتَحِنُوهُنّ }كانت محنتهنّ أن يستحلفن بالله «ما أخرجكنّ النشوز ، وما أخرجكنّ إلاّ حبّ الإسلام وأهله ، وحِرْصٌ عليه » ، فإذا قلن ذلك قُبل ذلك منهنّ .
ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { فامْتَحِنُوهُنّ }قال : يحلفن ما خرجن إلا رغبة في الإسلام ، وحبا لله ورسوله .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه أو عكرمة { إذَا جاءَكُمُ المُوءْمِناتُ مُهاجِرَاتٍ فامْتَحِنُوهُنّ }قال : يقال : ما جاء بك إلا حبّ الله ، ولا جاء بك عشق رجل منا ، ولا فرارا من زوجك ، فذلك قوله فامْتَحِنُوهُنّ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كانت المرأة من المشركين إذا غضبت على زوجها ، وكان بينه وبينها كلام ، قالت : والله لأهاجرنّ إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال الله عزّ وجلّ : إذَا جاءَكُمُ المُوءْمِنات مُهاجِرات فامْتَحِنُوهُنّ إن كان الغضب أتى بها فردّوها ، وإن كان الإسلام أتى بها فلا تردّوها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشجّ ، قال : كان امتحانهنّ إنه لم يُخْرِجْكِ إلا الدين .
وقوله : { اللّهُ أعْلَمُ بإيمَانِهِنّ }يقول : الله أعلم بإيمان من جاء من النساء مهاجرات إليكم .
وقوله : { فإنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُوءْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنّ إلى الكُفّارِ }يقول : فإن أقررن عند المحنة بما يصحّ به عقد الإيمان لهنّ ، والدخول في الإسلام ، فلا تردّوهنْ عن ذلك إلى الكفار . وإنما قيل ذلك للمؤمنين ، لأن العهد كان جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش في صلح الحديبية أن يردّ المسلمون إلى المشركين من جاءهم مسلما ، فأبطل ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات مهاجرات فامتحنّ ، فوجدهنّ المسلمون مؤمنات ، وصحّ ذلك عندهم مما قد ذكرنا قبل ، وأمروا أن لا يردّوهنّ إلى المشركين إذا علم أنهنّ مؤمنات . وقال جل ثناؤه لهم : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُوءْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنّ إلى الكُفّار لاهُنّ حِلّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلّونُ لَهُنّ }يقول : لا المؤمنات حلّ للكفار ولا الكفار يحلون للمؤمنات . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الاَثار . ذكر بعض ما رُوي في ذلك من الأثر :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، قال : دخلت على عُرْوة بن الزّبير ، وهو يكتب كتابا إلى ابن أبي هُنيد صاحب الوليد بن عبد الملك ، وكتب إليه يسأله عن قول الله عزّ وجلّ : { إذَا جاءَكُمُ المُوءْمِناتُ مُهاجِرَاتٍ . . . }إلى قوله : { وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } وكتب إليه عُرْوة بن الزّبير : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشا عام الحديبية على أن يردّ عليهم من جاء بغير إذن وليه فلما هاجر النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام ، أبى الله أن يُرْدَدْن إلى المشركين ، إذا هنّ امْتَحنّ محنة الإسلام ، فعرفوا أنهنّ إنما جئن رغبة فيه .
وقوله : { وآتُوهُمْ ما أنْفَقُوا }يقول جلّ ثناؤه : وأعطوا المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات إذا علمتموهنّ مؤمنات ، فلم ترجعوهنّ إليهم ما أنفقوا في نكاحهم إياهنّ من الصداق . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا جاءَكُمُ المُوءْمِناتُ مُهاجِرَاتٍ . . . }إلى قوله{ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } قال : كان امتحانهنّ أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فإذا علموا أن ذلك حقّ منهنّ لم يرجعوهنّ إلى الكفار ، وأعطى بعلها من الكفار الذين عقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صداقه الذي أصدقها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، وإذا فررن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين الذين بينهم وبين نبي الله صلى الله عليه وسلم عهد جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : { وآتُوهُم ما أنْفَقُوا }وآتُوا أزواجهنّ صدقاتهن .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا جاءَكُمُ المُوءْمِناتُ مُهاجِرَاتٍ فامْتَحِنُوهُنّ اللّهُ أعْلَمُ بإيمَانِهِن }حتى بلغ { وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }هذا حكم حكمه عزّ وجلّ بين أهل الهدى وأهل الضلالة كنّ إذا فررن من المشركين الذي بينهم وبين نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عهد إلى أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فتزوّجوهنّ بعثوا مهورهنّ إلى أزواجهنّ من المشركين الذي بينهم وبين نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عهد وإذا فررن من أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين الذين بينهم وبين نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عهد بعثوا بمهورهنّ إلى أزواجهنّ من أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ ، قال : نزلت عليه وهو بأسفل الحديبية ، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم صالحهم أنه من أتاه منهم ردّه إليهم فلما جاءه النساء نزلت عليه هذه الآية ، وأمره أن يردّ الصداق إلى أزواجهن حكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردّوا الصداق إلى أزواجهنّ فقال وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فامْتَحِنُوهُنّ اللّهُ أعْلَمُ بإيمَانِهنّ }كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عاهد من المشركين ومن أهل الكتاب ، فعاهدهم وعاهدوه ، وكان في الشرط أن يردّوا الأموال والنساء ، فكان نبيّ الله إذا فاته أحد من أزواج المؤمنين ، فلحق بالمعاهدة تاركا لدينه مختارا للشرك ، ردّ على زوجها ما أنفق عليها ، وإذا لحق بنبيّ الله صلى الله عليه وسلم أحد من أزواج المشركين امتحنها نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فسألها : «ما أخرجك من قومك ؟ » فإن وجدها خرجت تريد الإسلام قبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردّ على زوجها ما أنفق عليها ، وإن وجدت فرّت من زوجها إلى آخر بينها وبينه قرابة ، وهي متمسكة بالشرك ردّها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجها من المشركين .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا جاءَكُمُ المُوءْمِناتُ مُهاجِرَاتٍ فامْتَحِنُوهُنّ . . . } الآية كلها ، قال : لما هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين كان في الشرط الذي شُرط : أن تردّ إلينا من أتاك منا ، ونردّ إليك من أتانا منكم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أتانا مِنْكُمْ فَنرُدّهُ إلَيْكُمُ ، وَمَنْ أتاكُمْ مِنّا فاخْتارَ الكُفْرَ على الإيمَانِ فَلا حاجَةَ لَنا فِيهِمْ » قال : فأبى الله ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم في النساء ، ولم يأبه للرجال ، فقال الله عزّ وجلّ : { إذَا جاءَكُمُ المُوءْمِناتُ مُهاجِرَاتٍ فامْتَحِنُوهُنّ . . . }إلى قوله : { وآتُوهُمْ ما أنْفَقُوا }أزواجهنّ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشجّ ، قال كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين هدنة فيمن فرّ من النساء ، فإذا فرّت المشركة أعطى المسلمون زوجها نفقته عليها وكان المسلمون يفعلون وكان إذا لم يعط هؤلاء ولا هؤلاء أخرج المسلمون للمسلم الذي ذهبت امرأته نفقتها .
وقوله : { وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أنْ تَنْكِحُوهُنّ إذَا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ } يقول تعالى ذكره : ولا حرج عليكم أيها المؤمنون أن تنكحوا هؤلاء المهاجرات اللاتي لحقن بكم من دار الحرب مفارقات لأزواجهنّ ، وإن كان لهنّ أزواج في دار الحرب إذا علمتموهنّ مؤمنات إذا أنتم أعطيتموهنّ أجورهن ، ويعني بالأجور : الصّدقات . وكان قتادة يقول : كنّ إذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عهد إلى أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فتزوّجوهنّ ، بعثوا بمهورهنّ إلى أزواجهنّ من المشركين الذين بينهم وبين أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عهد .
حدثنا بذلك بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة .
وكان الزهريّ يقول : إنما أمر الله بردّ صداقهنُ إليهم إذا حُبِسن عنهم وإن هم ردّوا المسلمين على صداق من حبسوا عنهم من نسائهم .
حدثنا بذلك ابن حُمَيد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهريّ .
حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أنْ تَنْكِحُوهُنّ }ولها زوج ثمّ ، لأنه فرق بينهما الإسلام إذا استبرأتن أرحامهنّ .
وقوله : { وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَم الكَوَافِرِ }يقول جلّ ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تمسكوا إيها المؤمنون بحبال النساء الكوافر وأسبابهنّ ، والكوافر : جمع كافرة ، والعصم : جمع عصمة ، وهي ما اعتصم به من العقد والسبب ، وهذا نهي من الله للمؤمنين عن الإقدام على نكاح النساء المشركات من أهل الأوثان ، وأمر لهم بفراقهنّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال أخبرنا معمر ، عن الزهريّ ، عن عروة ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جاءه نسوة مؤمنات بعد أن كتب كتاب القضية بينه وبين قريش ، فأنزل الله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُوءْمِنات مُهاجِرَاتٍ }حتى بلغ{ بعِصَمِ الكَوَافِرِ } فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له بالشرك ، فتزوّج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : بلغنا أن آية المحنة التي مادّ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش من أجل العهد الذي كان بين كفار قريش وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يردّ إلى كفار قريش ما أنفقوا على نسائهم اللاتي يسلمن ويهاجرن ، وبعولتهنّ كفار للعهد الذي كان بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبينهم ، ولو كانوا حربا ليست بينهم وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم مدّة وعقد لم يردّ عليهم شيئا مما أنفقوا ، وحكم الله للمؤمنين على أهل المدّة من الكفار بمثل ذلك ، قال الله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُوءْمِنات مُهاجِرَاتٍ }حتى بلغ { وَاللّهُ عَلِيمٌ حِكِيمٌ }فطلق المؤمنون حين أنزلت هذه الآية كلّ امرأة كافرة كانت تحت رجل منهم ، فطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته ابنة أبي أُمية بن المغيرة من بني مخزوم فتزوّجها معاوية بن أبي سفيان ، وابنة جرول من خزاعة ، فتزوّجها أبو جهم بن حذافة العَدَوِيّ ، وجعل الله ذلك حكما حكم به بين المؤمنين والمشركين في هذه المدة التي كانت .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، قال : وقال الزهريّ : لما نزلت هذه الآية { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُوءْمِنات . . . } إلى قوله : { وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَم الكَوَافِرِ }كان ممن طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته قريبة ابنة أبي أمية بن المغيرة ، فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان ، وهما على شركهما بمكة وأم كلثوم ابنة جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حُذافة بن غانم رجل من قومه ، وهما على شركهما وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو التيمي كانت عنده أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، ففرّق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر ، وكان طلحة قد هاجر وهي بمكة على دين قومها ، ثم تزوّجها في الاسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص بن أُمية بن عبد شمس . وكان ممن فرّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نساء الكفار ممن لم يكن بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فحبسها وزوّجها رجلاً من المسلمين أميمة بنت بشر الأنصارية ، ثم إحدى نساء بني أمية بن زيد من أوس الله ، كانت عند ثابت بن الدحداحة ، ففرّت منه ، وهو يومئذ كافر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل بن حنيف أحد بني عمرو بن عوف ، فولدت عبد الله بن سهل .
حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ ، قال الله : { وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَم الكَوَافِرِ }قال : الزهريّ : فطلق عمر امرأتين كانتا له بمكة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَم الكَوَافِرِ قال : أصحاب محمد أُمروا بطلاق نسائهم كوافر بمكة ، قعدن مع الكفار .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَم الكَوَافِرِ }مشركات العرب اللاتي يأبين الإسلام أُمر أن يُخَلّى سبِيلُهن .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَم الكَوَافِرِ }إذا كفرت المرأة فلا تمسكوها ، خلوها ، وقعت الفرقة بينها وبين زوجها حين كفرت .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَلا تُمْسِكُوا }فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والمدينة والكوفة والشأم ، { وَلا تُمْسِكُوا } بتخفيف السين . وقرأ ذلك أبو عمرو «ولاَ تُمْسِكُوا » بتشديدها ، وذكر أنها قراءة الحسن ، واعتبر من قرأ ذلك بالتخفيف ، وإمساك بمعروف .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، ولغتان مشهورتان ، محكى عن العرب أمسكت به ومسكت ، وتمسّكت به .
وقوله : { وَاسْئَلُوا ما أنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أنْفَقُوا }يقول تعالى ذكره لأزواج اللواتي لحقن من المؤمنين من دار الإسلام بالمشركين إلى مكة من كفار قريش : واسئلوا أيها المؤمنون الذين ذهبت أزواجهم فلحقن بالمشركين ما أنفقتم على أزواجكم اللواتي لحقن بهم من الصداق من تزوّجهن منهم ، وليسئلكم المشركون منهم الذين لحق بكم أزواجهم مؤمنات إذا تزوّجن فيكم من تزوّجها منكم ما أنفقوا عليهنّ من الصداق . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أقر المؤمنون بحكم الله ، وأدّوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم ، وأبى المشركون أن يقرّوا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَاسْئَلُوا ما أنْفَقْتُمْ وَلْيسْئَلُوا ما أنْفَقوا }قال : ما ذهب من أزواج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكفار ، فليعطهم الكفار صدقاتهنّ ، وليمسكوهن ، وما ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فمثل ذلك في صلح كان بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين قريش .
وقوله : { ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ }يقول تعالى ذكره : هذا الحكم الذي حكمت بينكم من أمركم أيها المؤمنون بمسألة المشركين ، وما أنفقتم على أزواجكم اللاتي لحقن بهم وأمرهم بمسألتكم مثل ذلك في أزواجهن اللاتي لحقن بكم ، حكم الله بينكم فلا تعتدوه ، فإنه الحقّ الذي لا يسمع غيره ، فانتهى المؤمنون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذُكر إلى أمر الله وحكمه ، وامتنع المشركون منه وطالبوا الوفاء بالشروط التي كانوا شارطوها بينهم في ذلك الصلح ، وبذلك جاءت الاَثار والأخبار عن أهل السير وغيرهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ ، قال : أما المؤمنون فأقرّوا بحكم الله ، وأما المشركون فأبوا أن يقرّوا ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَإنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أزْوَاجِكُمْ إلى الكُفّارِ . . . } الآية .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، قال : قال الله : { ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يحكم بينكم } ، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ، وردّه الرجال ، وسأل الذي أمره الله أن يسأل من صدقات النساء من حبسوا منهنّ ، وأن يردّوا عليهم مثل الذي يردّون عليهم إن هم فعلوا ، ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ، كما ردّ الرجال ، ولولا الهدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية أمسك النساء ولم يرد إليهم صداقا ، وكذلك يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد .
قوله : { وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }يقول جلّ ثناؤه : والله ذو علم بما يصلح خلقه وغير ذلك من الأمور ، حكيم في تدبيره إياهم .
{ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن }فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة قلوبهم لسانهم في الإيمان ، { الله أعلم بإيمانهن }فإنه المطلع على ما في قلوبهم { فإن علمتموهن مؤمنات }العلم الذي يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الإمارات وإنما سماه علما إيذانا بأنه كالعلم في وجوب العمل به ، { فلا ترجعوهن إلى الكفار } أي إلى أزواجهن الكفرة لقوله :{ لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } والتكرير للمطابقة والمبالغة أو الأولى لحصول الفرقة والثانية للمنع عن الاستئناف ، { وآتوهم ما أنفقوا }ما دفعوا إليهن من المهور وذلك لأن صلح الحديبية جرى على أن من جاءنا منكم رددناه ، فلما تعذر عليه ردهن لورود النهي عنه لزمه رد مهورهن إذ روي أنه عليه الصلاة والسلام كان بعد صلح الحديبية إذ جاءته سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة ، فأقبل زوجها مسافر المخزومي طالبا لها فنزلت فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفت ، فأعطى زوجها ما أنفق وتزوجها عمر رضي الله تعالى عنه { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن }فإن الإسلام حال بينهن وبين أزواجهن الكفار ، { إذا آتيتموهن أجورهن }شرط إيتاء المهر في نكاحهن إيذانا بأن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام المهر ، { ولا تمسكوا بعصم الكوافر }بما يعتصم به الكافرات من عقد وسبب جمع عصمة والمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات وقرأ البصريان { ولا تمسكوا }بالتشديد ، { واسئلوا ما أنفقتم }من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار ، { وليسئلوا ما أنفقوا } من مهور أزواجهم المهاجرات ، { ذلكم حكم الله }يعني جميع ما ذكر في الآية { يحكم بينكم }استئناف أو حال من الحكم على حذف الضمير أو جعل الحكم حاكما على المبالغة والله عليم حكيم يشرع ما تقتضيه حكمته .