جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

{ يا أيها الذين آمنوا{[4990]} إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } كان النبي عليه السلام يحلفهن أنهن ما خرجن إلا لحب الإسلام لا لفرار من أزواجهن ولا لعشق أحد ، { الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات } بظهور الأمارات{[4991]} وسماه علما ليعلم أن الظن الغالب في مثل هذا المقام كالعلم ، { فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } لأن المسلمة لا تحل للكافر وفي العبارة تأكيد ومبالغة لا يخفى ومنه علم أنه حصلت الفرقة ولا يجوز استئناف النكاح { وآتوهم } أي : أزواجهن الكفار { ما أنفقوا } عليهن من المهر ، { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن } فإن الإسلام أبطل الزوجية{[4992]}

{ إذا آتيتموهن أجورهن } مهرهن هذا القيد ليعلم أن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام مهرهن بل لا بد من إصداق ، وقد تقدم أن صلح الحديبية على أن من جاءنا منكم رددناه إليكم فهذه الآية مخصصة لعهدهم{[4993]} نقض الله العهد بينهم في النساء خاصة ، وقد كان في ابتداء الإسلام جائز أن يتزوج المشرك مؤمنة ، وهذه الآية ناسخة ، والأكثرون على أنها متى انقضت{[4994]} العدة ولم يسلم الزوج انفسخ نكاحها منه ، ويحكم بالانفساخ من حين إسلامها ، { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } جمع عصمة أي : ما اعتصم به من عقد ونسب ، والكوافر جمع كافرة ، هذا التحريم من الله على المؤمنين نكاح المشركات والاستمرار معهن أيضا ولذلك لما نزل طلق عمر{[4995]} رضي الله عنه امرأتين مشركتين له بمكة { واسألوا } أيها المؤمنون من الكفار { ما أنفقتم } من صداق نسائكم اللاحقات بالكفار { وليسألوا } أي : المشركون { ما أنفقوا } من صداق المهاجرات ، أمر المؤمنين بأن يكون العهد بينكم كذا فتطالبوهم بصداق المرتدات ويطالبوكم بصداق المهاجرات المؤمنات ، { ذلكم حكم الله } إشارة إلى جميع ما ذكر في الآية { يحكم بينكم } استئناف { والله عليم حكيم } والأمر برد الصداق إلى الكفار لأجل العهد وإلا لم يجب .


[4990]:في نظم هذه الآيات وجه حسن معقول وهو أن المعاند لا يخلوا من أحد أحوال ثلاثة إما أن يستمر عناده أو يرجى منه أن يترك العناد أو يترك العناد ويستسلم، وقد بين الله تعالى في هذه الآيات أحوالهم وأمر المسلمين أن يعاملوهم في كل حالة على ما يقتضيه الحال، أما قوله تعالى:{قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا إنا برءاء منكم} فهو إشارة إلى الحالة الأولى ثم قوله:{عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة} إشارة إلى الحالة الثانية ثم قوله:{يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات} إشارة إلى الحالة الثالثة ثم فيه لطيفة وتلبية وحث على مكارم الأخلاق، لأنه تعالى ما أمر المؤمنين في مقابلة تلك الأحوال الثلاث بالجزاء إلا بالتي هي أحسن وبالكلام إلا بالذي هو أليق/12 كبير.
[4991]:والظن الغالب في أعمال الشرع في حكم العلم/12 وجيز.
[4992]:أي: بين المسلم والكافرة، أو بين المسلمة والكافر وهو ما أراده هنا.
[4993]:والحكم برد الصداق إنما هو في نساء أهل العهد وأما من لا عهد فلا رد/12 منه.
[4994]:وعلم من قولنا: متى انقضت العدة أن هذا الحكم في المدخولة فإن غير المدخولة حكمها الفسخ حين إسلامها فليس عليها العدة/12 منه.
[4995]:كما في البخاري/12 وجيز.