بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَاءكُمُ المؤمنات مهاجرات } ؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل مكة يوم الحديبية ، وكتب بينه وبينهم كتاباً : « إِنَّ مَنْ لَحِقَ مِنَ المُسْلِمِينَ بِأَهْلِ مَكَّةَ فَهُوَ مِنْهُمْ ، وَمَنْ لَحِقَ مِنْهمْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَدَّهُ عَلَيْهِمْ » . فجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، اسمها سبيعة بنت الحارث الأسلمية ، فجاء زوجها في طلبها ، فقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم : ( ارْدُدْهَا فَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ شَرْطاً ) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنَّمَا كَانَ الشَّرْطُ فِي الرِّجَالِ وَلَمْ يَكُنْ فِي النَّسَاءِ » . فأنزل الله تعالى : { إِذَا جَاءكُمُ المؤمنات مهاجرات } نصب على الحال ، { فامتحنوهن } يعني : اختبروهن ، ما أخرجكن من بيوتكن ؟ { فامتحنوهن } يعني : اسألوهن ، ويقال : استخلفوهن ما خرجنا إلا حرصاً على الإسلام ، ولم تكن لكراهية الزوج ، ولا لغير ذلك { الله أَعْلَمُ بإيمانهن } يعني : أعلم بسرائرهن .

{ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات } يعني : إذا ظهر عندكم إنها خرجت لأجل الإسلام ، ولم يكن خروجها لعداوة وقعت بينها وبين زوجها ، { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار } يعني : لا تردوهن إلى أزواجهن . { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ } يعني : لا تحل مؤمنة لكافر ، { وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } يعني : ولا نكاح كافر لمسلمة .

قوله تعالى : { وآتوهم ما أنفقوا } يعني : أعطوا أزواجهن الكفار ما أنفقوا عليهن من المهر ، قال مقاتل : يعني : إن تزوجها أحد من المسلمين ، يدفع المهر إلى الزوج ؛ فإن لم يتزوجها أحد من المسلمين ، فليس لزوجها الكافر شيء . ثم قال : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ } يعني : لا حرج على المسلمين أن يتزوجوهن . { إذا آتيتموهن أجورهن } يعني : مهورهن ، فرد المهر على الزوج الكافر منسوخ ، وفي الآية دليل أن المرأة إذا خرجت من دار الحرب ، بانت من زوجها ، وفي الآية تأييد لقول أبي حنيفة : أنَّهُ لاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا . وفي أقوال أبي يوسف ومحمد : عليها العدة .

ثم قال : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر } ، قرأ أبو عمرو { وَلاَ تُمْسِكُواْ } بالتشديد ، والباقون بالتخفيف . فمن قرأ بالتخفيف ، فهو من أمسك يمسك ، ومن قرأ بالتشديد فهو من مسك بالشيء يمسكه تمسيكاً ، ومعناهما واحد ، وهو أن المرأة إذا كفرت ، ولحقت بدار الحرب ، فقد زالت العصمة بينهما . فنهى أن يقبضها من بعد انقطاعها ، وجاز له أن يتزوج أختها أو أربعاً سواها . وأصل العصمة الحبل ، ومن أمسك بالشيء فقد عصمه . وقال : معناه لا ترغبوا فيهن ولا تعتدوا فيهن ؛ ويقال : لا تعتد بامرأتك الكافرة ، فإنها ليست لك بامرأة . وكان للمسلمين نساء في دار الحرب ، فتزوجن هناك ثم قال : { واسألوا ما أنفقتم } يعني : اسألوا من أزواجهن ما أنفقتم عليهن من المهر . { وَلْيَسْأَلُواْ } منكم { مَّا أَنفَقُواْ } يعني : ما أعطوا من مهر المرأة التي أسلمت . وهذه الآية نسخت ، إلا قوله : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } ثم قال : { ذَلِكُمْ حُكْمُ الله } يعني : أمره ونهيه { يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } يعني : يقضي بينكم { والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .