مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

{ ياأيها الذين ءامَنُواْ إِذَا جَاءكُمُ المؤمنات } سماهن مؤمنات لنطقهن بكلمة الشهادة ، أو لأنهن مشارفات لثبات إيمانهن بالامتحان { مهاجرات } نصب على الحال ، { فامتحنوهن } فابتلوهن بالنظر في الأمارات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن . وعن ابن عباس : امتحانها أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله { الله أَعْلَمُ بإيمانهن } منكم فإنكم وإن رزتم أحوالهن لا تعلمون ذلك حقيقة وعند الله حقيقة العلم به ، { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات } العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بظهور الأمارات ، وتسمية الظن علماً يؤذن بأن الظن الغالب وما يفضي إليه القياس جارٍ مجرى العلم وصاحبه غير داخل في قوله

{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار } فلا تردوهن إلى أزواجهن المشركين .

{ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } أي لا حل بين المؤمنة والمشرك لوقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة { وَءاتُوهُم مَّا أَنفَقُواْ } وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور . نزلت الآية بعد صلح الحديبية وكان الصلح قد وقع على أن يرد على أهل مكة من جاء مؤمناً منهم ، فأنزل الله هذه الآية بياناً لأن ذلك في الرجال لا في النساء لأن المسلمة لا تحل للكافر . وقيل : نسخت هذه الآية الحكم الأول ، { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ } ثم نفى عنهم الجناح في تزوج هؤلاء المهاجرات { ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي مهورهن لأن المهر أجر البضع وبه احتج أبو حنيفة رضي الله عنه على أن لا عدة على المهاجرة ، { وَلاَ تُمْسِكُواْ } { وَلاَ تُمْسِكُواْ } بصري { بِعِصَمِ الكوافر } العصمة ما يعتصم به من عقد وسبب . والكوافر جمع كافرة وهي التي بقيت في دار الحرب أو لحقت بدار الحرب مرتدة أي لا يكن بينكم وبينهن عصمة ولا علقة زوجية . قال ابن عباس رضي الله عنهما : من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدّنّ بها من نسائه لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه ، { وَسْئَلُواْ مَا أَنفَقْتُم } من مهور أزواجكم اللاحقات بالكفار ممن تزوجها ، { وَلْيَسْئَلُواْ مَا أَنفَقُواْ } من مهور نسائهم المهاجرات ممن تزوجها منا ، { ذَلِكُمْ حُكْمُ الله } أي جميع ما ذكر في هذه الآية { يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } كلام مستأنف أو حال من حكم الله على حذف الضمير أي يحكمه الله ، أو جعل الحكم حاكماً على المبالغة وهو منسوخ فلم يبق سؤال المهر لا منا ولا منهم { والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .