ثم قال : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } [ 10 ] ( من دار الحرب ) {[68219]} { فامتحنوهن الله } {[68220]} .
أي : إذا جاءكم النساء مهاجرات من دار الحرب فامتحنوهن ، وكانت محنة النبي صلى الله عليه وسلم لهن أن يحلفن بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس الدنيا ، وبالله ما خرجت ( إلا حبا لله {[68221]} ولرسوله {[68222]} ) . /
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يمتحنهن بآخر السورة {[68223]} .
قوله : { على أن لا يشركن بالله شيئا } {[68224]} إلى قوله : { في معروف } {[68225]} .
قالت : فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد {[68226]} فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة ، وإذا أقررن بذلك قال لهن النبي صلى الله عليه وسلم انطلقن فقد بايعتكن ، قالت {[68227]} ولا {[68228]} والله ما مست يد رسول الله صلى عليه وسلم {[68229]} يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ، قالت فما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء إلا ما أمره الله به {[68230]} .
وعن ابن عباس : أن المحنة كانت أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا ( رسول الله {[68231]} ) {[68232]} .
وقال مجاهد : { فامتحنوهن } أي : {[68233]} سلوهن ما جاء بهن ، فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن [ أو سخط أو غيره ، ولم يؤمن ، فارجعوهن إلى أزواجهن {[68234]} ] {[68235]} .
قال قتادة : كانت محنتهن أن يستخلفن بالله ما أخرجهن {[68236]} النشوز وما أخرجهن إلا حب الإسلام ( وأهله والحرص عليه {[68237]} ) ، فإن أقررن بذلك قبل منهن {[68238]} .
وقال عكرمة : يقال لها ما جاء بك إلا حب الله ورسوله ، وما {[68239]} جاء بك عشق رجل منا ، ولا فرار {[68240]} من زوجك ، فذلك المحنة {[68241]} .
روى ابن وهب عن رجاله أن قوله : " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن " .
نزلت في امرأة حسان بن الدحداحة وهي أميمة {[68242]} بنت بشر امرأة من بني عمرو {[68243]} ابن عوف ، وأن سهل بن حنيف تزوجها حين فرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له عبد الله بن سهل {[68244]} ، وإن قوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } نزل في امرأة لعمر بن الخطاب تركها بمكة كافرة ولم يطلقها حتى نزلت هذه الآية فطلقها عمر فخلف عليها معاوية {[68245]} . {[68246]}
وقوله : { الله أعلم بإيمانهن } أي : أعلم بمن جاء للإيمان ممن جاء لغير ذلك .
ثم قال : { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } أي : إن أقررن بالمحنة بما عقد عليه الإيمان فلا تردهن إلى الكفار/ ، وإنما قيل ذلك {[68247]} للمؤمنين ، لأن العهد كان بينهم وبين مشركي مكة إذ صد النبي صلى الله عليه وسلم {[68248]} عن البيت في صلح الحديبية أن يرد المسلمون إلى المشركين من جاء منهم إلى المسلمين مسلما ، فأبطل الله عز وجل {[68249]} ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات ونسخه ، وأمرهم ألا يردوا من جاء من النساء مؤمنة {[68250]} ، وهذا من نسخ القرآن للسنة {[68251]} .
وقوله : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } أي : لا تحل المسلمة للكافر ولا الكافر للمسلمة .
ثم قال : { وآتوهم ما أنفقوا } [ أي وأعطوا المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات ما أنفقوا {[68252]} ] على النساء في الصداق ، قاله قتادة ومجاهد وغيرهما {[68253]} .
ثم قال : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } أي : لا حرج عليكم أيها المؤمنون أن تنكحوا من جاءكم من المؤمنات المهاجرات إذا أعطيتموهن مهورهن .
وكان الزهري : يقول إنما أمر الله جل ذكره برد {[68254]} صدقاتهن إليهن إذا ( حبسن {[68255]} عنهم ) إذا هم ردوا على المسلمين من حبسن عنهم من/نسائهم {[68256]} .
وقال الشافعي : { وآتوهم ما أنفقوا } منسوخ {[68257]} ، واحتج من قال بهذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم {[68258]} لما أمر أن ( ترد {[68259]} عليهم ) صدقات النساء المهاجرات إليه ، المؤمنات قد شرط لهم {[68260]} رد النساء على كل حال ، فأمر الله ألا يردهن إليهم إذا أتين مؤمنات ، وجعل رد الصداق {[68261]} عوضا من ردهن [ ليتم {[68262]} ] العهد الذي بينه وبين قريش ، فإذا لم يكن عهد مثل ذلك في الرد وأتت امرأة من عند المعاهدين مؤمنة/ لم يلزم أن يرد عليهم صداقها ، فإن كان العهد مثل عهد النبي صلى الله عليه وسلم لقريش ، لم يلزم أيضا أن يرد عليهم صداقها ، لأن الشرط في النساء قد أبطله الله ، فهو منسوخ باطل ولا عوض للباطل ، مع أنه {[68263]} لا يجوز أن يشترط/ إمام في العهد رد النساء بحكم الله ، وإذا لم يشترط ذلك فلم يلزم رد الصداق ، لأن الصداق إنما كان عوضا عن شرط قد وقع ، ثم نزل القرآن بعده فنسخه ، فإذا لم يجز عقد ذلك الشرط لم يجز العوض منه {[68264]} ، فهو كله منسوخ بحكم الله عز وجل {[68265]} في منع رد النساء المؤمنات إليهم {[68266]} .
ومذهب مالك أن الصلح على رد الرجال إليهم جائز {[68267]} .
ومذهب الكوفيين أنه منسوخ ولا يجوز .
ثم قال : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } أي : لا تمسكوا بعقد نكاح الكوافر من غير أهل الكتاب ، فهي مخصوصة .
وقيل هو عام نسخ منه أهل الكتاب بقوله : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم {[68268]} } {[68269]} .
ولما نزلت هذه الآية طلق المؤمنون كل امرأة مشركة {[68270]} لهم في مكة ، منهم عمر وغيره {[68271]} .
ثم قال : { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } هذا خطاب للمؤمنين الذين ذهب نساؤهم إلى المشركين ( فأمرهم الله أن يطلبوا صدقات نسائهم من المشركين ويدفعوا إلى المشركين صدقات من جاء من النساء مؤمنات ، يعني من تزوج منهن في مكة أو في المدينة ، فإذا تزوجت المهاجرة من عند المشركين {[68272]} بالمدينة وجب على زوجها [ أن يرد الصداق على زوجها {[68273]} ] الذي كان لها بمكة ، وإذا تزوجت المرأة التي تخرج إلى المشركين بمكة وجب أن يطلب زوجها المؤمن صداقها الذي دفع {[68274]} إليها من المشركين .
قال ابن شهاب : أقر المؤمنون بحكم الله عز وجل {[68275]} ، فأدوا صدقات من تزوجوا ممن جاءهم من النساء مهاجرات مؤمنات ، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله سبحانه {[68276]} من أداء صدقات من تزوجوا من النساء اللواتي فررن إليهم من عند المسلمين ، هذا {[68277]} معنى قوله .
وهذا حكم أطلع الله عز وجل {[68278]} المؤمنين/عليه ولم يأمر به الكفار لأنهم لا يأتمرون ( بهذا {[68279]} وهو مثل قوله : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } {[68280]} فهو حكم أطلع الله عز وجل {[68281]} المؤمنين عليه {[68282]} ) وإن كان الذين أوتوا الكتاب لا يأتمرون بذلك ولا يحلون لأنفسهم طعام المؤمنين .
ثم قال تعالى : { ذلكم حكم الله يحكم بينكم } أي : هذا الذي حكمته بينكم هو حكم الله عز وجل {[68283]} فيكم وفيهم ، فاتبع المؤمنون الحكم وامتنع منه المشركون ، وطالبوا النبي وأصحابه برد النساء على ما عقد عليه العهد {[68284]} فلما امتنع المشركون من رد صدقات نساء المؤمنين {[68285]} أنزل الله جل ذكره .