الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

ثم قال : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } [ 10 ] ( من دار الحرب ) {[68219]} { فامتحنوهن الله } {[68220]} .

أي : إذا جاءكم النساء مهاجرات من دار الحرب فامتحنوهن ، وكانت محنة النبي صلى الله عليه وسلم لهن أن يحلفن بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس الدنيا ، وبالله ما خرجت ( إلا حبا لله {[68221]} ولرسوله {[68222]} ) . /

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يمتحنهن بآخر السورة {[68223]} .

قوله : { على أن لا يشركن بالله شيئا } {[68224]} إلى قوله : { في معروف } {[68225]} .

قالت : فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد {[68226]} فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة ، وإذا أقررن بذلك قال لهن النبي صلى الله عليه وسلم انطلقن فقد بايعتكن ، قالت {[68227]} ولا {[68228]} والله ما مست يد رسول الله صلى عليه وسلم {[68229]} يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ، قالت فما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء إلا ما أمره الله به {[68230]} .

وعن ابن عباس : أن المحنة كانت أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا ( رسول الله {[68231]} ) {[68232]} .

وقال مجاهد : { فامتحنوهن } أي : {[68233]} سلوهن ما جاء بهن ، فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن [ أو سخط أو غيره ، ولم يؤمن ، فارجعوهن إلى أزواجهن {[68234]} ] {[68235]} .

قال قتادة : كانت محنتهن أن يستخلفن بالله ما أخرجهن {[68236]} النشوز وما أخرجهن إلا حب الإسلام ( وأهله والحرص عليه {[68237]} ) ، فإن أقررن بذلك قبل منهن {[68238]} .

وقال عكرمة : يقال لها ما جاء بك إلا حب الله ورسوله ، وما {[68239]} جاء بك عشق رجل منا ، ولا فرار {[68240]} من زوجك ، فذلك المحنة {[68241]} .

روى ابن وهب عن رجاله أن قوله : " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن " .

نزلت في امرأة حسان بن الدحداحة وهي أميمة {[68242]} بنت بشر امرأة من بني عمرو {[68243]} ابن عوف ، وأن سهل بن حنيف تزوجها حين فرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له عبد الله بن سهل {[68244]} ، وإن قوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } نزل في امرأة لعمر بن الخطاب تركها بمكة كافرة ولم يطلقها حتى نزلت هذه الآية فطلقها عمر فخلف عليها معاوية {[68245]} . {[68246]}

وقوله : { الله أعلم بإيمانهن } أي : أعلم بمن جاء للإيمان ممن جاء لغير ذلك .

ثم قال : { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } أي : إن أقررن بالمحنة بما عقد عليه الإيمان فلا تردهن إلى الكفار/ ، وإنما قيل ذلك {[68247]} للمؤمنين ، لأن العهد كان بينهم وبين مشركي مكة إذ صد النبي صلى الله عليه وسلم {[68248]} عن البيت في صلح الحديبية أن يرد المسلمون إلى المشركين من جاء منهم إلى المسلمين مسلما ، فأبطل الله عز وجل {[68249]} ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات ونسخه ، وأمرهم ألا يردوا من جاء من النساء مؤمنة {[68250]} ، وهذا من نسخ القرآن للسنة {[68251]} .

وقوله : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } أي : لا تحل المسلمة للكافر ولا الكافر للمسلمة .

ثم قال : { وآتوهم ما أنفقوا } [ أي وأعطوا المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات ما أنفقوا {[68252]} ] على النساء في الصداق ، قاله قتادة ومجاهد وغيرهما {[68253]} .

ثم قال : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } أي : لا حرج عليكم أيها المؤمنون أن تنكحوا من جاءكم من المؤمنات المهاجرات إذا أعطيتموهن مهورهن .

وكان الزهري : يقول إنما أمر الله جل ذكره برد {[68254]} صدقاتهن إليهن إذا ( حبسن {[68255]} عنهم ) إذا هم ردوا على المسلمين من حبسن عنهم من/نسائهم {[68256]} .

وقال الشافعي : { وآتوهم ما أنفقوا } منسوخ {[68257]} ، واحتج من قال بهذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم {[68258]} لما أمر أن ( ترد {[68259]} عليهم ) صدقات النساء المهاجرات إليه ، المؤمنات قد شرط لهم {[68260]} رد النساء على كل حال ، فأمر الله ألا يردهن إليهم إذا أتين مؤمنات ، وجعل رد الصداق {[68261]} عوضا من ردهن [ ليتم {[68262]} ] العهد الذي بينه وبين قريش ، فإذا لم يكن عهد مثل ذلك في الرد وأتت امرأة من عند المعاهدين مؤمنة/ لم يلزم أن يرد عليهم صداقها ، فإن كان العهد مثل عهد النبي صلى الله عليه وسلم لقريش ، لم يلزم أيضا أن يرد عليهم صداقها ، لأن الشرط في النساء قد أبطله الله ، فهو منسوخ باطل ولا عوض للباطل ، مع أنه {[68263]} لا يجوز أن يشترط/ إمام في العهد رد النساء بحكم الله ، وإذا لم يشترط ذلك فلم يلزم رد الصداق ، لأن الصداق إنما كان عوضا عن شرط قد وقع ، ثم نزل القرآن بعده فنسخه ، فإذا لم يجز عقد ذلك الشرط لم يجز العوض منه {[68264]} ، فهو كله منسوخ بحكم الله عز وجل {[68265]} في منع رد النساء المؤمنات إليهم {[68266]} .

ومذهب مالك أن الصلح على رد الرجال إليهم جائز {[68267]} .

ومذهب الكوفيين أنه منسوخ ولا يجوز .

ثم قال : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } أي : لا تمسكوا بعقد نكاح الكوافر من غير أهل الكتاب ، فهي مخصوصة .

وقيل هو عام نسخ منه أهل الكتاب بقوله : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم {[68268]} } {[68269]} .

ولما نزلت هذه الآية طلق المؤمنون كل امرأة مشركة {[68270]} لهم في مكة ، منهم عمر وغيره {[68271]} .

ثم قال : { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } هذا خطاب للمؤمنين الذين ذهب نساؤهم إلى المشركين ( فأمرهم الله أن يطلبوا صدقات نسائهم من المشركين ويدفعوا إلى المشركين صدقات من جاء من النساء مؤمنات ، يعني من تزوج منهن في مكة أو في المدينة ، فإذا تزوجت المهاجرة من عند المشركين {[68272]} بالمدينة وجب على زوجها [ أن يرد الصداق على زوجها {[68273]} ] الذي كان لها بمكة ، وإذا تزوجت المرأة التي تخرج إلى المشركين بمكة وجب أن يطلب زوجها المؤمن صداقها الذي دفع {[68274]} إليها من المشركين .

قال ابن شهاب : أقر المؤمنون بحكم الله عز وجل {[68275]} ، فأدوا صدقات من تزوجوا ممن جاءهم من النساء مهاجرات مؤمنات ، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله سبحانه {[68276]} من أداء صدقات من تزوجوا من النساء اللواتي فررن إليهم من عند المسلمين ، هذا {[68277]} معنى قوله .

وهذا حكم أطلع الله عز وجل {[68278]} المؤمنين/عليه ولم يأمر به الكفار لأنهم لا يأتمرون ( بهذا {[68279]} وهو مثل قوله : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } {[68280]} فهو حكم أطلع الله عز وجل {[68281]} المؤمنين عليه {[68282]} ) وإن كان الذين أوتوا الكتاب لا يأتمرون بذلك ولا يحلون لأنفسهم طعام المؤمنين .

ثم قال تعالى : { ذلكم حكم الله يحكم بينكم } أي : هذا الذي حكمته بينكم هو حكم الله عز وجل {[68283]} فيكم وفيهم ، فاتبع المؤمنون الحكم وامتنع منه المشركون ، وطالبوا النبي وأصحابه برد النساء على ما عقد عليه العهد {[68284]} فلما امتنع المشركون من رد صدقات نساء المؤمنين {[68285]} أنزل الله جل ذكره .


[68219]:ساقط من ع،ج.
[68220]:ساقط من ع.
[68221]:ع: "حب الله ورسوله".
[68222]:انظر: جامع البيان 28/44، وابن كثير 4/351، وروح المعاني 28/76.
[68223]:أخرجه البخاري في كتاب التفسير، سورة الممتحنة 6/41 والمزني في تحفة الأشراف 12/28، وذكره ابن جرير في جامع البيان 2/44.
[68224]:ساقط من ح.
[68225]:وهي قوله تعالى: {أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرفن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف}.
[68226]:ع: "قد".
[68227]:ع: "قالت عائشة".
[68228]:ج: "لا والله".
[68229]:ساقط من ع.
[68230]:انظر: جامع البيان 28/44.
[68231]:ع، ج: "عبد الله ورسوله".
[68232]:انظر: جامع البيان 28/44، وتفسير القرطبي 18/62 وابن كثير 4/351 والدر المنثور 8/134.
[68233]:ساقط من ع، ج.
[68234]:ساقط من ح.
[68235]:انظر: تفسير مجاهد 655، وجامع البيان 28/44، وابن كثير 4/351 والدر المنثور 8/133.
[68236]:ح: "ما أخرجكن".
[68237]:ع: "وأصله الحرص عليه".
[68238]:انظر: جامع البيان 28/44، وابن كثير 4/351، والدر المنثور 8/134.
[68239]:ع، ج: "ولا جاء".
[68240]:ع: "فرارا".
[68241]:انظر: جامع البيان 28/45، وابن كثير 4/531، والدر المنثور 8/137.
[68242]:ع: "ميمونة".
[68243]:ع: عمران بن عوف".
[68244]:انظر: زاد المسير 8/239، وهو قول ابن أبي حاتم في الدر المنثور 8/136.
[68245]:ع: "معرية" وهو تحريف.
[68246]:انظر: أحكام ابن العربي 4/1788.
[68247]:ساقط من ع، ج.
[68248]:ساقط من ع، ج.
[68249]:ساقط من ع، ج.
[68250]:ع: "مؤمنات".
[68251]:انظر: الإيضاح 433 – 434، وجامع البيان 28/45، وأسباب النزول 318.
[68252]:ساقط من ح.
[68253]:انظر: جامع البيان 28/45، وتفسير مجاهد 656.
[68254]:ع: "فرد": وهو تحريف.
[68255]:ع: "إذا حبس منهم".
[68256]:انظر: جامع البيان 28/46، وابن كثير 4/352.
[68257]:انظر تفسير القرطبي 18/64 وأحكام القرآن للشافعي 2/67 – 72.
[68258]:ع: "عليه السلام".
[68259]:ع: "ترد عليهن".
[68260]:ح: "عليه".
[68261]:ح: "الصدقات".
[68262]:ساقط من ح.
[68263]:مع أنه.
[68264]:ع، ج: "فلا".
[68265]:ساقط من ع، ج.
[68266]:انظر: الأم للشافعي 4/193 -197، وأحكام القرآن للشافعي 2/57.
[68267]:راجع المدونة 1/401، ومقدمات ابن رشد 1/275 والكافي 210.
[68268]:المائدة: 6.
[68269]:انظر: الإيضاح 435 والناسخ والمنسوخ 387 وتفسير القرطبي 18/66.
[68270]:ع، ج: "هي مشتركة".
[68271]:انظر: جامع البيان 28/47، وأحكام ابن العربي 4/1788، وابن كثير 4/352.
[68272]:ساقط من ع.
[68273]:ساقط من ح.
[68274]:ع، ج: "دفعه".
[68275]:ساقط من ع، ج.
[68276]:ساقط من ع، ج.
[68277]:انظر: جامع البيان 28/48، وأحكام الجصاص 3/440.
[68278]:ساقط من ع، ج.
[68279]:ساقط من ع.
[68280]:المائدة: آية 6.
[68281]:ساقط من ع.
[68282]:ساقط من ج.
[68283]:ساقط من ع، ج.
[68284]:ع: "العقد".
[68285]:ع: "المؤمنات" وهو تحريف.