التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

{ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } أي : اختبروهن لتعلموا صدق إيمانهن ، وإنما سماهن مؤمنات لظاهر حالهن ، وقد اختلف في هذا الامتحان على ثلاثة أقوال : أحدها : أن تستحلف المرأة أنها ما هاجرت لبغضها في زوجها ولا لخوف وغير ذلك من أعراض الدنيا سوى حب الله ورسوله والدار الآخرة .

والثاني : أن يعرض عليها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .

الثالث : أن تعرض عليها الشروط المذكورة بعد هذا من ترك الإشراك والسرقة ، وقتل أولادهن وترك الزنا والبهتان ، والعصيان ، فإذا أقرت بذلك فهو امتحانها قالته عائشة رضي الله تعالى عنها .

{ فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } نزلت هذه الآية إثر صلح الحديبية ، وكان ذلك الصلح قد تضمن أن يرد المسلمين إلى الكفار ، وكل من جاء مسلما من الرجال والنساء فنسخ الله أمر النساء بهذه الآية ومنع من رد المؤمنة إلى الكفار إذا هاجرت إلى المسلمين وكانت المرأة التي هاجرت حينئذ أميمة بنت بشر امرأة حسان بن الدحداحة .

وقيل : سبيعة الأسلمية ، ولما هاجرت جاء زوجها فقال يا محمد ردها علينا فإن ذلك في الشرط الذي لنا عليك فنزلت الآية : فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يردها وأعطى مهرها لزوجها ، وقيل : نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط هربت من زوجها إلى المسلمين واختلف في الرجال هل حكمهم في ذلك كالنساء فلا تجوز المهادنة على رد من أسلم منهم ، أو يجوز حتى الآن على قولين والأظهر الجواز لأنه إنما نسخ ذلك في النساء .

{ لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } هذا تعليل للمنع من رد المرأة إلى الكفار وفيه دليل على ارتفاع النكاح بين المشركين والمسلمات .

{ وآتوهم ما أنفقوا } يعني : أعطوا الكفار ما أعطوا نساءهم من الصدقات إذا هاجرن ثم أباح للمسلمين تزوجهن بالصداق .

{ ولا تمسكوا بعصم الكوافر } العصم جمع عصمة أي : النكاح فأمر الله المسلمين أن يفارقوا نساءهم الكوافر ، يعني : المشركات من عبدة الأوثان ، فالآية على هذا محكمة ، وقيل : يعني : كل كافرة فعلى هذا نسخ منها جواز تزوج الكتابيات لقوله : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } [ المائدة : 5 ] ، وروي : أن الآية نزلت في امرأة لعمر بن الخطاب كانت كافرة فطلقها ، { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } أي : اطلبوا من الكفار ما أنفقتم من الصدقات على أزواجكم اللاتي فررن إلى الكفار ، وليطلب الكفار منكم ما أنفقوا على أزواجهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين .