التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (3)

وقد أتبع - سبحانه - هذا الوصف وهو { رَبِّ العالمين } ، بوصف آخر هو { الرحمن الرحيم } لحكم سامية من أبرزها : أن وصفه - تعالى - ب { رَبِّ العالمين } أي : مالكهم ، قد يثير في النفوس شيئًا من الخوف أو الرهبة ، فإن المربي قد يكون خشنًا جبارًا متعنتًا ، وذلك مما يخدش من جميل التربية ، وينقص من فضل التعهد . لذا قرن - سبحانه - كونه مربيًا ، بكونه الرحمن الرحيم ، لينفى بذلك هذا الاحتمال ، وليفهم عباده بأن ربوبيته لهم مصدرها عموم رحمته وشمول إحسانه ، فهم برحمته يوجدون ، وبرحمته يتصرفون ويرزقون ، وبرحمته يبعثون ويسألون . ولا شك أن في هذا الإِفهام تحريضًا لهم على حمده وعبادته بقلوب مطمئنة ، ونفوس مبتهجة ، ودعوة لهم إلى أن يقيموا حياتهم على الرحمة والإِحسان ، لا على الجبروت والطغيان ، فالراحمون يرحمهم الرحمن .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (3)

( الرحمن الرحيم ) . . هذه الصفة التي تستغرق كل معاني الرحمة وحالاتها ومجالاتها تتكرر هنا في صلب السورة ، في آية مستقلة ، لتؤكد السمة البارزة في تلك الربوبية الشاملة ؛ ولتثبت قوائم الصلة الدائمة بين الرب ومربوبيه . وبين الخالق ومخلوقاته . . إنها صلة الرحمة والرعاية التي تستجيش الحمد والثناء . إنها الصلة التي تقوم على الطمأنينة وتنبض بالمودة ، فالحمد هو الاستجابة الفطرية للرحمة الندية .

إن الرب الإله في الإسلام لا يطارد عباده مطاردة الخصوم والأعداء كآلهة الأولمب في نزواتها وثوراتها كما تصورها أساطير الإغريق . ولا يدبر لهم المكائد الانتقامية كما تزعم الأساطير المزورة في " العهد القديم " كالذي جاء في أسطورة برج بابل في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ }

قال أبو جعفر : قد مضى البيان عن تأويل قوله «الرحمن الرحيم » ، في تأويل «بسم الله الرحمن الرحيم » ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . ولم يحتج إلى الإبانة عن وجه تكرير الله ذلك في هذا الموضع ، إذ كنا لا نرى أن «بسم الله الرحمن الرحيم » من فاتحة الكتاب آية ، فيكون علينا لسائلٍ مسألة بأن يقول : ما وجه تكرير ذلك في هذا الموضع ، وقد مضى وصف الله عزّ وجلّ به نفسه في قوله «بسم الله الرحمن الرحيم » ، مع قرب مكان إحدى الاَيتين من الاَخرى ومجاورتها لصاحبتها ؟ بل ذلك لنا حجة على خطأ دعوى من ادعى أن بسم الله الرحمن الرحيم من فاتحة الكتاب آية ، إذ لو كان ذلك كذلك لكان ذلك إعادة آية بمعنى واحد ولفظ واحد مرتين من غير فصل يفصل بينهما . وغير موجود في شيء من كتاب الله آيتان متجاورتان مكرّرتان بلفظ واحد ومعنى واحد ، لا فصل بينهما من كلام يخالف معناه معناهما ، وإنما يأتي بتكرير آية بكمالها في السورة الواحدة ، مع فصول تفصل بين ذلك ، وكلام يُعترض به بغير معنى الاَيات المكرّرات أو غير ألفاظها ، ولا فاصل بين قول الله تبارك وتعالى اسمه «الرحمن الرحيم » من «بسم الله الرحمن الرحيم » ، وقول الله : «الرحمن الرحيم » ، من «الحمد لله رب العالمين » .

فإن قال قائل : فإن «الحمد لله رب العالمين » فاصل بين ذلك . قيل : قد أنكر ذلك جماعةٌ من أهل التأويل ، وقالوا : إن ذلك من الموخّر الذي معناه التقديم ، وإنما هو : الحمد لله الرحمن الرحيم رب العالمين ملك يوم الدين . واستشهدوا على صحة ما ادّعوا من ذلك بقوله : «مَلِكِ يَوْم الدّين » فقالوا : إن قوله : «ملك يوم الدين » تعليم من الله عبده أن يصفه بالمُلْك في قراءة من قرأ مَلِك ، وبالمِلْك في قراءة من قرأ «مالك » .

قالوا : فالذي هو أولى أن يكون مجاور وَصْفه بالمُلْك أو المِلْك ما كان نظير ذلك من الوصف ، وذلك هو قوله «رَبّ العالمين » ، الذي هو خبر عن ملكه جميع أجناس الخلق ، وأن يكون مجاور وصفه بالعظمة والألوهة ما كان له نظيرا في المعنى من الثناء عليه ، وذلك قوله : الرّحْمَنِ الرّحيم . فزعموا أن ذلك لهم دليل على أن قوله «الرحمن الرحيم » بمعنى التقديم قبل «رب العالمين » ، وإن كان في الظاهر مؤخرا . وقالوا : نظائر ذلك من التقديم الذي هو بمعنى التأخير والمؤخر الذي هو بمعنى التقديم في كلام العرب أفشى وفي منطقها أكثر من أن يحصى ، من ذلك قول جرير بن عطية :

طافَ الخَيالُ وأيْنَ منْكَ لِمَاما *** فارْجِعْ لزَوْرِكَ بالسّلام سَلاما

بمعنى طاف الخيال لماما وأين هو منك . وكما قال جل ثناؤه في كتابه : { الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتابَ وَلمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجا قَيّما } المعنى : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا ، وما أشبه ذلك . ففي ذلك دليل شاهد على صحة قول من أنكر أن تكون «بسم الله الرحمن الرحيم » من فاتحة الكتاب آية .