تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (3)

الآية 3 : وقوله تعالى : ( الرحمن الرحيم ) اسمان مأخوذان من الرحمة لكنه روي فيهما{[39]} : ( رقيقان : أحدهما أرق من الآخر ) وكان الذي روي عنه هذا أراد به لطيفان : أحدهما ألطف من الآخر ؛ دليل ذلك وجهان :

أحدهما : مجيء الأثر{[40]} في ذلك : اللطيف في أسماء الله تعالى [ مما ]{[41]} نطق به الكتاب ، ولم يذكر في شيء من ذلك رقيق . ومعنى اللطيف في{[42]} استخراج الأمور الخفية وظهورها{[43]} له كقوله تعالى : ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة ) [ إلى قوله ]{[44]} ( لطيف خبير ) [ لقمان : 16 ] وبالله التوفيق .

والثاني : أن اللطيف حرف يدل على البر والعطف ، والرقة [ تدل ]{[45]} على رقة الشيء التي هي نقيض الغلظ والكثافة كما يقال : فلان رقيق القلب . وإذا قيل فلان لطيف فإنما يراد به : بار عاطف . فلذلك يجوز لطيف ، ولا يجوز رقيق . وكذلك فسر من فسر الرحمن بالعاطف على خلقه بالرزق . وذهب وهم الأول إلى الرقة{[46]} ، وهو بعيد . وإنما هو من اللطف .

وقوله{[47]} : ( أحدهما أرق من الآخر ) بمعنى اللطيف يحتمل وجهين :

أحدهما : التحقيق بأن اللطف بأحد الحرفين أخص وأليق وأوفر وأكمل . فلذلك رحمته بالمؤمنين أنه يقال : رحيم بالمؤمنين على تخصيصهم بالهداية{[48]} لدينه . ولذا ذكر أمته ، وإن أشركهم في الرزق في ما يراهم غيرهم . ألا ترى أنه لا يقال : رحمن بالمؤمنين ، وجائز القول ، رحيم بهم ، وكذلك لا يقال : رحيم بالكافر{[49]} مطلقا ؟ وبالله التوفيق .

[ والثاني ]{[50]} : أن أحدهما ألطف من الآخر كأنه وصف الغاية في اللطف حتى يتعذر وجه إدراك ما في كل واحد من اللطف ، أو يوصف بقطع الغاية عما يتضمنه كل حرف . وبالله التوفيق .

ثم في هذا أن اسم الرحمن ، هو المخصوص به [ الله ، لا يسمى به غيره ]{[51]} والرحيم : يجوز تسمية غيره به . فلذلك يوصف : أن الرحمن{[52]} اسم ذاتي ، والرحيم فعلي . وإن احتمل أن يكونا مشتقين من الرحمة . ودليل ذلك إنكار العرب الرحمن ، ولا أحد منهم أنكر الرحيم حين قالوا : ما ندري : ( وما الرحمان أنسجد لما تأمرنا ) [ الفرقان : 60 ] وذلك قوله : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [ الإسراء : 110 ] يدل على أنه ذاتي لا فعلي ، وإن كان الفعل صفة الذات ؛ إذ محال صفته بغيره ولما يوجب ذلك الحاجة إلى غيره ليحدث له الثناء والمدح ، وفي ذلك خلق الخلق لنفع الاستمداح ، وعن ذلك متعال ، بل بنفسه مستحق لكل حمد ومدح ، ولا قوة إلا بالله .

وروي في خبر القسمة أن العبد إذا قال : ( الرحمن الرحيم ) قال الله تعالى : " أثنى علي عبدي " وإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال : " مجدني عبدي " [ مسلم 395/ 40 ] . وذكر أنه قال في الأول : بالتمجيد ، وفي الثاني : بالثناء وذلك واحد ، لأن معنى الثناء الوصف بالمجد والكرم والجود ، والتمجيد هو الوصف بذلك . وبالله التوفيق .


[39]:-المروي عنه عبد الله بن عباس.
[40]:- في ط ع: الآثار
[41]:- من ط م و ط ع، في الأصل: ما.
[42]:-من ط م و ط ع، في الأصل: وظهور ما.
[43]:-من ط م و ط ع، في الأصل: وظهور ما
[44]:-أدرج صاحب ط ع الآية كاملة بدل هذه العبارة.
[45]:- ساقطة من النسخ الثلاث.
[46]:- في النسخ الثلاث: اللطافة.
[47]:- يعود الضمير على ابن عباس.
[48]:- ساقطة من ط ع.
[49]:- في ط م: بالكافرين.
[50]:- في النسخ الثلاث: ووجه آخر.
[51]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[52]:- من ط م و ط ع، في الأصل: الرحمة.