تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (3)

{ الرحمن الرحيم } : الرحمن صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة ، وقد تقدم أنه لا يوصف بها إلا الله : { الرحمن عَلَّمَ القرآن } [ الرحمن : 2 ] ، { الرحمن عَلَى العرش استوى } [ طه : 5 ] . { قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن } [ الإسراء : 110 ] .

أما الرحيم ، فقد كثر استعمالها في القرآن وصفاً فعليا وجاءت بأسلوب إيصال النعمة والرحمة : { إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ البقر : 143 ] { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 155 ] { وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً } [ الأحزاب : 43 ] . ولا نطيل أكثر من ذلك ، وإنما نريد أن نبين هنا نكتة إعادتهما وتكرارهما . فنأياً عن أن يُفهم من لفظة الرب صفة الجبروت والقهر أراد الله تعالى أن يذكِّر الخلق برحمته وإحسانه ، ليجمعوا بين اعتقاد الجلال والجمال . فذكَر «الرحمن » أي المفيض للنعم بسعة وتجدُّد لا منتهى لهما ، و«الرحيم » الثابتَ له وصف الرحمة ، لا تزايله أبدا . بذا عرّفهم أن ربوبيته رحمة وإحسان ، ليعلموا أن هذه الصفة هي الأصلية التي يرجع إليها معنى بقية الصفات فيتعلقوا به ويُقبلوا على اكتساب مرضاته .

هذا وإن تكرار وصف الله لنفسه بالرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب لهو تأكيد لمعنى أن الدين الذي كتابه القرآن إنما تقوم فضائله ونظُمه على الرحمة والحب والإحسان .

وإذا كان الحمد لله والثناء عليه مرجعهما وأساسهما التربية من الله للعالَم ، فما أجدر المؤمن أن يتخلق بخُلق الله ، وان يلتمس الحمد والثناء من هذا السبيل الكريم . فمن حمّله الله مسئولية التربية من إمام أو معلّم أو أحد الزوجين ، فإن عليه أن يعتبر ما كُلف برعايته أمانةً عنده من المربي الأعظم سبحانه ، فلْيمض فيها على سَنَن الرحمة والإحسان ، لا الجبروت والطغيان . إن ذلك أوفى إلى أن يُصلح الله به ، وأقربُ أن تناله رحمته .