روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (3)

بعدما ذكر سبحانه وتعالى عموم تربيته صرح بعظيم رحمته فقال عز شأنه : { الرحمن الرحيم } وقد تقدم الكلام عليهما والجمهور على خفضهما ، ونصبهما زيد وأبو العالية وابن السميقع وعيسى بن عمور ، ورفعهما أبو رزين العقيلي والربيع بن خيثم وأبو عمران الجولي( {[94]} ) واستدل بعض ساداتنا بتكرارهما على أن البسملة ليست آية من الفاتحة ، وليس بالقوي لأن التكرار لفائدة ، فذكرهما في البسملة تعليل للابتداء باسمه عز شأنه ، وذكرهما هنا تعليل لاستحقاقه تعالى الحمد ، وقال الإمام الرازي قدس سره في بيان حكمة التكرار : التقدير كأنه قيل له اذكر أني إله ورب مرة واحدة واذكر أني رحمن رحيم مرتين ؛ لتعلم أن العناية بالرحمة أكثر منها بسائر الأمور ، ثم لما بين الرحمة المضاعفة فكأنه قال لا تغتروا بذلك فإني مالك يوم الدين ونظيره قوله تعالى :

{ غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب } [ غافر : 3 ] انتهى ، وفي القلب منه شيء فإن الألوهية مكررة أيضاً كما ترى ، وعندي بمسلك صوفي أن ذكر الرحمن الرحيم تفصيل من وجه لما في رب العالمين من الإجمال ، وذلك أن التربية تنقسم ببعض الاعتبارات إلى قسمين ، أحدهما التربية بغير واسطة كالكلمة لأنه لا يتصور في حقه واسطة ألبتة ، وثانيهما التربية بواسطة كما فيمن دون الكلمة وهذا الثاني له قسمان أيضاً ، قسم ممزوج بألم كما في تربية العبد بأمور مؤلمة له شاقة عليه ، وقسم لا مزج فيه كما في تربية كثير ممن شمله اللطف السبحاني :

غافل والسعادة احتضنته *** وهو عنها مستوحش نفار

فالرحمن يشير إلى التربية بالوسائط وغيرها في عالمه ، والرحيم يشير إلى التربية بلا واسطة في كلماته ورحمة الرحمن أيضاً قد تمزج بالألم كشرب الدواء الكره الطعم والرائحة فإنه وإن كان رحمة بالمريض لكن فيه ما لا يلائم طبعه ورحمة الرحيم لا يمازجها شوب فهي محض النعم ، ولا توجد إلا عند أهل السعادات الكاملة . اللهم اجعلنا سعداء الدارين بحرمة سيد الثقلين صلى الله عليه وسلم .


[94]:كذا بخطه الجولي باللام وصوابه بالنون.