قوله تعالى : { يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم } ، يروى أن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك كانوا بضعة وثمانين نفرا ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاؤوا يعتذرون بالباطل . قال الله تعالى : { قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم } ، لن نصدقكم ، { قد نبأنا الله من أخباركم } ، فيما سلف ، { وسيرى الله عملكم ورسوله } ، في المستأنف أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه ؟ { ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون } .
قوله : { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ } ، إخبار عما سيقولونه للمؤمنين عند لقائهم بهم .
أى : أن هؤلاء المنافقين المتخلفين عن الجهاد مع قدرتهم عليه ، سيعتذرون إليكم - أيها المؤمنون - إذا رجعتم إليهم من تبوك . بأن يقولوا لكم مثلا : إن قعودنا في المدينة وعدم جوعنا معكم كانت له مبرراته القوية . فلا تؤاخذونا .
وهذه الجملة الكريمة من الأنباء التي أنبأ الله بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن أحوال المنافقين وعما سيقولونه له وللمؤمنين بعد عودتهم إليهم ، وهذا يدل على أن هذه الآيات نزلت في أثناء العودة ، وقبل وصول الرسول وأصحابه إلى المدينة من تبوك .
وقوله : { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ } ، إبطال لمعاذيرهم ، وتلقين من الله - تعالى - لرسوله بالرد الذي يخرس ألسنتهم .
أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - عندما يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم ، قل لهم : دعوكم من هذه المعاذير الكاذبة ، ولا تتفوهوا بها أمامنا ، فإننا { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } ولن نصدق أقوالكم ، فإن الله ، تعالى . قد كشف لنا عن حقيقتكم ووضح لنا أحوالكم ، وبين لنا ما أنتم عليه من نفاق وفسوق وعصيان ، وما دام الأمر كذلك ، فوفروا على أنفسكم هذه المعاذير الكاذبة .
وقال ، سبحانه . { قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ } ولم يقل قد نبأنى ، للاشعار بأن الله - تعالى - قد أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ المؤمنين بأحوال هؤلاء المنافقين حتى يكونوا على بينة من أمرهم .
وقوله : { وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } تهديد لهم على نفاقهم وكذبهم .
أى : دعوا عنكم هذه الأعذار الباطلة ، فإن الله - تعالى - مطلع على أحوالكم ، وسيعلم سركم وجهركم علما يترتب عليه الجزاء العادل لكم ، ويبلغ رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأخباركم ، هذا في الدنيا ، أما في الآخرة ، فأنتم " ستردون " يوم القيامة { إلى عَالِمِ الغيب والشهادة } الذي لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أى : فيخبركم بما كنتم تعلمونه في الدنيا من أعمال قبيحة ، وسيجازيكم عليها بما تستحقونه من عقاب .
{ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاّ تَعْتَذِرُواْ لَن نّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره يعتذر إليكم أيها المؤمنون بالله هؤلاء المتخلفون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، التاركون جهاد المشركين معكم من المنافقين بالأباطيل والكذب إذا رجعتم إليهم من سفركم وجهادكم قل لهم يا محمد : لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ يقول : لن نصدقكم على ما تقولون . قَدْ نَبّأنا الله مِنْ أخْبارِكُمْ يقول : قد أخبرنا الله من أخباركم ، وأعلمنا من أمركم ما قد علمنا به كذبكم . وسَيَرى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ يقول : وسيرى الله ورسوله فيما بعد عملكم ، أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه ثُمّ تُرَدّونَ إلى عالِمِ الغَيْبِ والشّهادةِ يقول : ثم ترجعون بعد مماتكم إلى عالم الغيب والشهادة يعني الذي يعلم السرّ والعلانية الذي لا يخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها . فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فيخبركم بأعمالكم كلها سيئها وحسنها ، فيجازيكم بها الحسن منها بالحسن والسيىء منها بالسيىء .
قوله : { يعتذرون إليكم } الآية ، هذه المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وشرك معه المسلمون في بعض لأن المنافقين كانوا يعتذرون أيضاً إلى المؤمنين ولأن أنباء الله أيضاً تحصل للمؤمنين وقوله : { رجعتم } يريد من غزوة تبوك ، وقوله : { لن نؤمن لكم }{[5837]} معناه لن نصدقكم ، ولكن لفظة { نؤمن } تتصل بلام أحياناً كما تقدم في قوله { يؤمن للمؤمنين }{[5838]} ، و «نبأ » في هذه الآية قيل هي بمعنى عرف لا تحتاج إلى أكثر من مفعولين ، فالضمير مفعول أول ، وقوله { من أخباركم } مفعول ثان على مذهب أبي الحسن في زيادة { من } في الواجب ، فالتقدير قد نبأنا الله أخباركم ، وهو على مذهب سيبويه نعت لمحذوف هو المفعول الثاني تقديره قد نبأنا الله جلية من أخباركم ، وقيل «نبأ » بمعنى أعلم يحتاج إلى ثلاثة مفاعيل ، فالضمير واحد و { من أخباركم } ثان حسب ما تقدم من القولين ، والثالث محذوف يدل الكلام عليه ، تقديره قد نبأنا الله من أخباركم كذباً أو نحوه .
وحذف هذا المفعول مع الدلالة عليه جائز بخلاف الاقتصار ، وذلك أن الاقتصار إنما يجوز إما على المفعول الأول ويسقط الاثنان إذ هما الابتداء والخبر ، وإما على الاثنين الأخيرين ويسقط الأول ، وإما أن يقتصر على المفعولين الأولين ويسقط الثالث دون دلالة عليه ، فذلك لا يجوز ، ويجوز حذفه مع الدلالة عليه والإشارة بقوله : { قد نبأنا الله } إلى قوله { ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة }{[5839]} ونحو هذا ، وقوله { وسيرى الله } توعد معناه وسيراه في حال وجوده ويقع الجزاء منه عليه إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، وقوله { ثم تردون إلى عالم الغيب } يريد البعث من القبور ، و { الغيب } والشهادة يعمان جميع الأشياء وقوله : { فينبئكم } معناه التخويف ممن لا تخفى عليه خافية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.