التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (94)

قوله : { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ } ، إخبار عما سيقولونه للمؤمنين عند لقائهم بهم .

أى : أن هؤلاء المنافقين المتخلفين عن الجهاد مع قدرتهم عليه ، سيعتذرون إليكم - أيها المؤمنون - إذا رجعتم إليهم من تبوك . بأن يقولوا لكم مثلا : إن قعودنا في المدينة وعدم جوعنا معكم كانت له مبرراته القوية . فلا تؤاخذونا .

وهذه الجملة الكريمة من الأنباء التي أنبأ الله بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن أحوال المنافقين وعما سيقولونه له وللمؤمنين بعد عودتهم إليهم ، وهذا يدل على أن هذه الآيات نزلت في أثناء العودة ، وقبل وصول الرسول وأصحابه إلى المدينة من تبوك .

وقوله : { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ } ، إبطال لمعاذيرهم ، وتلقين من الله - تعالى - لرسوله بالرد الذي يخرس ألسنتهم .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - عندما يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم ، قل لهم : دعوكم من هذه المعاذير الكاذبة ، ولا تتفوهوا بها أمامنا ، فإننا { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } ولن نصدق أقوالكم ، فإن الله ، تعالى . قد كشف لنا عن حقيقتكم ووضح لنا أحوالكم ، وبين لنا ما أنتم عليه من نفاق وفسوق وعصيان ، وما دام الأمر كذلك ، فوفروا على أنفسكم هذه المعاذير الكاذبة .

وقال ، سبحانه . { قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ } ولم يقل قد نبأنى ، للاشعار بأن الله - تعالى - قد أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ المؤمنين بأحوال هؤلاء المنافقين حتى يكونوا على بينة من أمرهم .

وقوله : { وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } تهديد لهم على نفاقهم وكذبهم .

أى : دعوا عنكم هذه الأعذار الباطلة ، فإن الله - تعالى - مطلع على أحوالكم ، وسيعلم سركم وجهركم علما يترتب عليه الجزاء العادل لكم ، ويبلغ رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأخباركم ، هذا في الدنيا ، أما في الآخرة ، فأنتم " ستردون " يوم القيامة { إلى عَالِمِ الغيب والشهادة } الذي لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أى : فيخبركم بما كنتم تعلمونه في الدنيا من أعمال قبيحة ، وسيجازيكم عليها بما تستحقونه من عقاب .