نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (94)

ثم شرع يخبر عن أشياء تقع منهم عند الرجوع دلالة على أن هذا كلامه وأنه عالم بالمغيبات كليها وجزئيها ، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان{[37093]} يكون ، فقال مبيناً لعدم علمهم : { يعتذرون } أي يثبتون الأعذار لأنفسهم : وأشار إلى بعدهم بالقلوب بقوله : { إليكم } أي عن التخلف { إذا رجعتم إليهم } أي من هذه الغزوة ، كأنه قيل : فماذا يقال في جوابهم ؟ فقال للرأس الذي لا تأخذه في الله لومة لائم : { قل لا تعتذروا } أي فإن أعذاركم كاذبة ، ولذلك علل النهي بقوله : { لن نؤمن لكم } أي نصدقكم في شيء منها ، ثم علل عدم تصديقهم بما أوجب{[37094]} لهم القطع بذلك فقال : { من نبأنا الله } أي أعلمنا الملك الذي له الإحاطة الكاملة بكل شيء إعلاماً جليلاً { من أخباركم } أي التي ظننتم{[37095]} جهلاً بالله أنها تخفى فقد علمناها ؛ ثم هددهم بقوله : { وسيرى الله } أي لأنه عالم بكل شيء وإن دق قادر على كل شيء { عملكم } أي بعد ذلك أتتبينون{[37096]} أم تثبتون على حالكم هذا الخبيث كما رأى الذي قبل { ورسوله } أي بما يعلمه به سبحانه وحياً أو تفرساً ، ولما كان الكلام في المنافقين ، فكانت الرؤية لنفاقهم الذي{[37097]} يجتهدون في إخفائه ، وكان المؤمنون لا اطلاع لجميعهم عليهم ، لم يذكرهم بخلاف من يأتي بعد فإنهم مؤمنون .

ولما كان هذا ربما أوهمهم أنه لا يعلم إلا ما أوقعوه بالفعل ، نفى ذلك بإظهار وصفه في موضع الإضمار مهدداً بقوله مشيراً بأداة التراخي إلى استبعادهم لقيامهم إلى معادهم : { ثم تردون } أي براد قاهر لا تقدرون على دفاعه بعد استيفاء{[37098]} آجالكم بالموت وإن طالت ثم البعث{[37099]} { إلى عالم الغيب } وهو ما غاب عن الخلق { والشهادة } وهو ما اطلع عليه أحد منهم . فصار بحيث يطلعون عليه وهذا ترجمة عن الذي يعلم الشيء قبل كونه ما يعلم بعد كونه { فينبئكم } أي يخبركم إخباراً عظيماً جليلاً مستوعباً { بما كنتم } أي بجبلاتكم { تعملون* } أي مما أبرزتموه إلى الخارج ومما كان في جبلاتكم ، ولو تأخرتم لبرز ، وهو تهديد عظيم ،


[37093]:زيد من ظ.
[37094]:من ظ، وفي الأصل: أحب.
[37095]:من ظ، وفي الأصل: قلتم.
[37096]:في ظ: تبينون ـ كذا.
[37097]:من ظ، وفي الأصل: التي.
[37098]:في ظ: آجالهم وإن طالت وهو الموت ثم البعث.
[37099]:في ظ: آجالهم وإن طالت وهو الموت ثم البعث.