فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (94)

{ يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم } إخبار من الله سبحانه عن المنافقين المعتذرين بالباطل بأنهم يعتذرون إلى المؤمنين إذا رجعوا عن الغزو ، وهذا كلام مستأنف وإنما قال إليهم أي إلى المعتذرين بالباطل ولم يقل إلى المدينة لأن مدار الاعتذار هو الرجوع إليهم لا الرجوع إليها ، وربما يقع الاعتذار عند الملاقاة قبل الوصول إليها .

ويحتمل أن يكون الضمير في إليكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على التأويل المشهور في هذا . روي أن المعتذرين كانوا بضعة وثمانين رجلا .

ثم أخبر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بما يجيب به عليهم فقال : { قل لا تعتذروا } فنهاهم أولا عن الاعتذار بالباطل ثم علله بقوله : { لن نؤمن لكم } أي لن نصدقكم كأنهم ادعوا أنهم صادقون في اعتذارهم ، لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به ؛ فإذا عرف أنه لا يصدق ترك الاعتذار ، وإنما خص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالجواب عليهم مع أن الاعتذار منهم كائن إلى جميع المؤمنين لأنه صلى الله عليه وآله وسلم رأسهم والمتولي لما يرد عليهم من جهة الغير .

وجملة { قد نبأنا الله من أخباركم } تعليلية للتي قبلها أي لا يقع منا تصديق لكم لأن الله قد أعلمنا بالوحي ما هو مناف لصدق اعتذاركم { وسيرى الله عملكم } أي ما ستفعلونه من الأعمال فيما بعد هل تقلعون عما أنتم عليه الآن من الشر أم تبقون عليه ، وقيل سيعلم عملكم السيئ وقعا أي مستمرا على الوقوع ، والظاهر أن الاستقبال في علم الله بالنظر لظهوره لنا .

{ ورسوله } معطوف على الاسم الشريف ووسط مفعول الرؤية إيذانا بأن رؤية الله سبحانه لما سيفعلونه من خير أو شر هي التي تدور عليها الإثابة أو العقوبة . وفي جملة { ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون } تخويف شديد لما هي مشتملة عليه من التهديد ولا سيما ما اشتملت عليه من وضع الظاهر موضع المضمر لإشعار ذلك بإحاطته بكل شيء يقع منهم مما يكتمونه ويتظاهرون به وإخباره لهم به ومجازاتهم عليه .