معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

قوله تعالى : { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعةً } ، قال بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : { مراغماً } أي : متحولاً يتحول إليه ، وقال مجاهد : متزحزحاً عما يكره ، وقال أبو عبيدة : المراغم : المهاجر ، يقال : راغمت قومي وهاجرتهم ، وهو المضطرب والمذهب ، قيل : سميت المهاجرة مراغمة لأن من يهاجر يراغم قومه ، ( وسعة ) أي في الرزق ، وقيل سعة من الضلالة إلى الهدى ، وروي أنه لما نزلت هذه الآية سمعها رجل من بني ليث شيخ كبير مريض يقال له جندع بن ضمرة ، فقال : والله ما أنا ممن استثنى الله عز وجل ، وإني لأجد حيلة ولي من المال ما يبلغني المدينة وأبعد منها ، والله لا أبيت الليلة بمكة ، أخرجوني . فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به التنعيم ، فأدركه الموت ، فصفق بيمينه على شماله ثم قال : اللهم هذه لك ، وهذه لرسولك ، أبايعك على ما بايعك عليه رسولك ، فمات فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لو وافى المدينة لكان أتم وأوفى أجراً ، وضحك المشركون وقالوا : ما أدراك هذا ما طلب ، فأنزل الله : قوله تعالى : { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت } أي : قبل بلوغه إلى مهاجره .

قوله تعالى : { فقد وقع }أي : وجب .

قوله تعالى : { أجره على الله } ، بإيجابه على نفسه فضلاً منه .

قوله تعالى : { وكان الله غفوراً رحيماً } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

ثم رغب - سبحانه - فى الهجرة من أجل أعلاء دينه بأسمى ألوان الترغيب فقال : { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرض مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } .

وقوله : { مُرَاغَماً } اسم مكان أى يجد فى الأرض متحولا ومهاجرا .

قال القرطبى ما ملخصه : اختلف فى تأويل المراغم فقال مجاهد : المراغم : المتزحزح . وقال ابن عباس : المراغم : المتحول والمذهب . وقال ابن زيد : المراغم : المهاجر .

وهذه الأقوال متفقة المعانى وهو اسم الموضع الذى يراغم فيه . وهو مشتق من الرغام أى التراب ورغم أنف فلان أى لصق بالتراب . وراغمت فلانا هجرته وعاديته .

وهذا كله تفسير المعنى . فأما الخاص باللفظة هو أن المرغم موضع المراغمة كما ذكرناه وهو أن يرغم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده .

فكأن كفار قريش أرغموا أنوف المحبوسين بمكة ، فلو هاجر منهم لأرغم أنوف قريش لحصوله فى منعة منهم ، فتلك المنعة هى موضع المراغمة .

والمعنى : ومن يهاجر تاركا دار إقامته من أجل إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه ، يجد فى الأرض أماكن كثيرة يأمن فيها مكر أعدائه وظلمهم ، ويجد فيها من الخير والنعمة والسعة فى الرزق ما يكون سببا لرغم أنف أعدائه الذين فارقهم كراهة لصحبتهم القبيحة ، ومعاملتهم السيئة .

قال الفخر الرازى : وذلك لأن من فارق بلده وذهب إلى بلده أجنبية ، فإذا استقام أمره فى تلك البلدة الأجنبية ، ووصل ذلك الخبر إلى أهل بدلته خجلوا من سوء معاملتهم له ورغمت أنوفهم - أى أصابهم الذل - بسبب ذلك .

فكأنه قيل . يأيها الإِنسان إنك كنت تكره الهجرة عن وطنك خوفا من أن تقع فى المشقة والمحنة والسفر ، فلا تخف فإن الله - تعالى - سيعطيك من النعم الجليلة ، والمراتب العظيمة ، فى دار هجرتك ما يصير سببا لرغم أنوف أعدائك ، ويكون سببا لسعة عيشك .

وإنما قدم - سبحانه - ذكر رغم الأعداء على ذكر سعة العيش ؛ لأن ابتهاج الإِنسان الذى يهاجر عن أهله وبلده بسبب شدة ظلمهم له بدولته من حيث إنها تصير سببا لرغم أنوف الأعداء .

أشد من ابتهاجه بتلك الدولة من حيث إنها صارت سببا لسعة العيش عليه .

وقوله { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله } تنويه عظيم بشأن الهجرة من أجل إعلاء كلمة الله ، حيث جعل - سبحانه - ثوابها حاصلا حتى ولو لم يصل المهاجر إلى مقصده .

أى : ومن يخرج من بيته تاركا أهله ووطنه ، فارا بيدنه إلى المكان الذى تعلو فيه كلمة الله وكلمة رسوله ، قاصدا بذلك نصرة الحق وأهله ، من يفعل ذلك { يُدْرِكْهُ الموت } وهو فى طريقه قبل أن يصل إلى مكان هجرته { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله } أى : فقد ثبت ووجب له الأجر عند الله - تعالى - تفضلا منه - سبحانه - وكرما { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } فيغفر لهذا المهاجر ما فرط منه من تقصير ، ويرحمه برحمته الواسعة .

وقوله { ثُمَّ يُدْرِكْهُ } بالجزم عطفا على فعل الشرط وهو { وَمَن يَخْرُجْ } . وجوابه قوله : { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله } .

قال الآلوسى : وقرئ { ثُمَّ يُدْرِكْهُ } بالرفع . خرج ابن جنى على أنه فعل مضارع مرفوع والموت فاعله . والجملة خبر لمبتدأ محذوف أى : ثم هو يدركه الموت .

وفى التعبير بقوله { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله } بعث للطمأنينة فى قلوب المهاجرين ، وحفز لهم على الهجرة من أجل إعلاء كلمة الله ؛ لأنهم إذاوصلوا إلى دار هجرتهم فقد راغموا أنف أعدائهم ورزقهم الله بالخير من فضله ، وإن ماتوا قبل أن يصلوا أعطاهم - سبحانه ثواب المهاجرين كاملا ببركة حسن نياتهم ، وكافأهم على ذلك أجرا جزيلا لا يعلم مقداره إلا هو .

وقد وردت روايات فى سبب نزول هذه الآية الكريمة منها ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها نزلت فى جندب بن ضمرة وكان قد بلغه وهو بمكة قوله - تعالى - : { إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ } . . الآية فقال لبنيه : أحملونى فإنى لست من المستضعفين ، وإنى لأهتدى إلى الطريق ، وإنى لا أبيت الليلة بمكة . فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة - وكان شيخا كبيرا ، فمات بالتنعيم - وهو موضع قرب مكة - ولما أدركه الموت أخذ يصفق يمينه على شماله ويقول : اللهم هذه لك . وهذه لرسولك صلى الله عليه وسلم أبايعك على ما بايع عليه رسلوك - ثم مات - ولما بلغ خبر موته الصحابة قالوا : ليته مات بالمدينة فنزلت الآية .

هذا ، ومن الأحكام والآداب التى أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى :

1- وجوب الهجرة من دار لا يستطيع المسلم فيها أن يؤدى شعائر دينه .

قال القرطبى : فى هذه الآيات دليل على هجران الأرض التى يعمل فيها بالمعاصى . وقال سعيد بن جبير : إذا عمل بالمعاصى فى أرض فاخرج منها . وتلا { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } . وقال مالك : هذه الآيات دالة على أنه ليس لأحد المقام فى أرض يسب فيها السلف ويعمل فيها بغير الحق .

وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه : قال الحافظ بن حجر فى " الفتح " : الهجرة الترك . والهجرة إلى الشئ الانتقال إليه عن غيره . وفى الشرع : ترك ما نهى الله عنه .

وقد وقعت فى الإِسلام على وجهين :

الأول : الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن . كما فى هجرتى الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة .

الثاني : الهجرة من دار الكفر إلى دار الإِيمان . وذلك بعد أن استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين . وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالمدينة إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص وبقى عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا .

ثم قال الشيخ القاسمى : وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإِسماعيلى بلفظ : انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار . أى : ما دام فى الدنيا دار كفر ، فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشى أن يفتن فى دينه .

وروى الإِمام أحمد وأبو عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة . ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " .

2- أن من خرج للهجرة فى سبيل الله ومات فى الطريق أعطاه الله - تعالى - أجر المهاجرين ببركة نيته الصادقة ، ويدل على ذلك ما جاء فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى . فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله . ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .

وقال صاحب الكشاف : كل هجرة لغرض دينى - من طلب علم أو حج أو جهاد أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة وزهدا فى الدنيا أو ابتغاء رزق طيب - فهى هجرة إلى الله ورسوله . وإن أدركه الموت فى طريقه فأجره واقع على الله .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد وبخت الذين رضوا أن يقيموا مع الكافرين فى ذلة وهوان مع قدرتهم على الهجرة ، وتوعدتهم على ضعف إيمانهم ، بسوء المصير ، وحرضت المؤمنين فى كل زمان ومكان على الهجرة فى سبيل الله بأسمى ألوان التحريض وأشدها ، ووعدت المهاجر من أجل إعلاء كلمة الحق بالخير الوفير ، والأجر الجزيل . { ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله ذُو الفضل العظيم }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ } : ومن يفارق أرض الشرك وأهلها هربا بدينه منها ومنهم إلى أرض الإسلام وأهلها المؤمنين ، { في سَبِيلِ الله } يعني في منهاج دين الله وطريقه الذي شرعه لخلقه ، وذلك الدين القيم . { يَجِدْ في الأرْضِ مُرَاغَما كَثِيرا } يقول : يجد هذا المهاجر في سبيل الله مراغما كثيرا ، وهو المضطرب في البلاد والمذهب ، يقال منه : راغم فلان قومه مُراغَما ومراغمة مصدران ، ومنه قول نابغة بني جعدة :

كَطَوْدٍ يُلاذُ بأرْكانِهِ ***عَزِيزِ المُرَاغَمِ والمَهْرَبِ

وقوله : { وَسَعَةً } فإنه يحتمل السعة في أمر دينهم بمكة ، وذلك منعهم إياهم من إظهار دينهم وعبادة ربهم علانية ثم أخبر جلّ ثناؤه عمن خرج مهاجرا من أرض الشرك فارّا بدينه إلى الله وإلى رسوله إن أدركته منيته قبل بلوغه أرض الإسلام ودابر الهجرة ، فقال : من كان كذلك فقد وقع أجره على الله ، وذلك ثواب عمله وجزاء هجرته وفراق وطنه وعشيرته إلى دار الإسلام وأهل دينه . يقول جلّ ثناؤه : ومن يخرج مهاجرا من داره إلى الله وإلى رسوله ، فقد استوجب ثواب هجرته إن لم يبلغ دار هجرته باخترام المنية إياه قبل بلوغه إياها على ربه . { وكانَ اللّهُ غَفُورا رَحِيما } يقول : ولم يزل الله تعالى ذكره غفورا ، يعني : ساترا ذنوب عباده المؤمنين بالعفو لهم عن العقوبة عليها رحيما بهم رفيقا . وذكر أن هذه الاَية نزلت بسبب بعض من كان مقيما بمكة وهو مسلم ، فخرج لما بلغه أن الله أنزل الاَيتين قبلها ، وذلك قوله : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } . . . إلى قوله : { وكانَ اللّهُ عَفُوّا غَفُورا } فمات في طريقه قبل بلوغه المدينة . ذكر الاَخبار الواردة بذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ } قال : كان رجل من خزاعة يقال له ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباع ، قال : فلما أمروا بالهجرة كان مريضا ، فأمر أهله أن يفرشوا له على سريره ويحملوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ففعلوا ، فأتاه الموت وهو بالتنعيم ، فنزلت هذه الاَية .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير أنه قال : نزلت هذه الاَية : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّهِ } في ضمرة بن العيص بن الزنباع ، أو فلان بن ضمرة بن العيص بن الزنباع ، حين بلغ التنعيم مات فنزلت فيه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن العوام التيمي بنحو حديث يعقوب ، عن هشيم ، قال : وكان رجلاً من خزاعة .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَمَنْ يُهاجِرْ في سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَما كَثِيرا وَسَعَةً } . . . الاَية ، قال : لما أنزل الله هؤلاء الاَيات ورجل من المؤمنين يقال له ضمرة بمكة ، قال : والله إن لي من المال ما يبلغني المدينة وأبعد منها وإني لأهتدي ، أخرجوني ! وهو مريض حينئذ . فلما جاوز الحرم قبضه الله فمات ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ } . . . الاَية .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : لما نزلت : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } قال رجل من المسلمين يومئذ وهو مريض : والله مالي من عذر إني لدليل بالطريق ، وإني لموسر ، فاحملوني ! فحملوه فأدركه الموت بالطريق ، فنزلت فيه : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ } .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت عكرمة يقول : لما أنزل الله : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } . . . الاَيتين ، قال رجل من بني ضمرة وكان مريضا : أخرجوني إلى الرّوْح ! فأخرجوه ، حتى إذا كان بالحَصْحَاص مات ، فنزل فيه : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ } . . . الاَية .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي عن المنذر بن ثعلبة ، عن علباء بن أحمر اليشكري ، قوله : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّهِ } قال : نزلت في رجل من خزاعة .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا قرّة ، عن الضحاك في قول الله جلّ وعزّ : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّهِ } قال : لما سمع رجل من أهل مكة أن بني كنانة قد ضربت وجوهَهم وأدبارَهم الملائكةُ قال لأهله : أخرجوني ! وقد أدنف للموت . قال : فاحتمل حتى انتهى إلى عَقَبة قد سماها ، فتوفي ، فأنزل الله : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ } . . . الاَية .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّيّ ، قال : لما سمع بهذه يعني بقوله : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } . . . إلى قوله : { وكانَ اللّهُ عَفُوّا غَفُورا } ضمرةُ بن جندب الضمري قال لأهله وكان وجعا : أرحلوا راحلتي ، فإن الأخشبين قد غماني يعني : جبلي مكة لعلي أن أخرج فيصيبني روح ! فقعد على راحلته ثم توجه نحو المدينة فمات بالطريق ، فأنزل الله : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّهِ } . وأما حين توجه إلى المدينة ، فإنه قال : اللهمّ مهاجر إليك وإلى رسولك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت هذه الاَية ، يعني قوله : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ } قال جندب بن ضمرة الجندعي : اللهمّ أبلغت في المعذرة والحجة ، ولا معذرة لي ولا حجة . قال : ثم خرج وهو شيخ كبير فمات ببعض الطريق ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مات قبل أن يهاجر ، فلا ندري أعلى ولاية أم لا ؟ فنزلت : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّهِ } .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سلمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : لما أنزل الله في الذين قتلوا مع مشركي قريش ببدر : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } . . . الاَية ، سمع بما أنزل الله فيهم رجل من بني ليث كان على دين النبيّ صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة ، وكان ممن عذر الله كان شيخا كبيرا وضيئا ، فقال لأهله : ما أنا ببائت الليلة بمكة ! فخرجوا به مريضا حتى إذا بلغ التنعيم من طريق المدينة أدركه الموت ، فنزل فيه : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ } . . . الاَية .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَما كَثِيرا وَسَعَةً } قال : هاجر رجل من بني كنانة يريد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فمات في الطريق . فسخر به قومه واستهزءوا به ، وقالوا : لا هو بلغ الذي يريد ، ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ويدفن ! قال : فنزلت القرآن : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّهِ } .

حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا شريك ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : نزلت هذه الاَية : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } وكان بمكة رجل يقال له ضمرة من بني بكر وكان مريضا ، فقال لأهله : أخرجوني من مكة ، فإني أجد الحرّ ! فقالوا : أين نخرجك ؟ فأشار بيده نحو المدينة . فنزلت هذه الاَية : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ } . . . إلى آخر الاَية .

حدثني الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبان ، قال : حدثنا قيس ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما نزلت هذه الاَية : { لا يَسْتَوِى القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غيرُ أُولي الضّرَرِ } قال : رخص فيها قوم من المسلمين ممن كان بمكة من أهل الضرر حتى نزلت فضيلة المجاهدين على القاعدين ، فقالوا : قد بين الله فضيلة المجاهدين على القاعدين ورخص لأهل الضرر . حتى نزلت : { إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ } . . . إلى قوله : { وَساءَتْ مَصيرا } قالوا : هذه موجبة . حتى نزلت : { إلاّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجالِ وَالنّساءِ وَالوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } ، فقال ضمرة بن العيص الزرقي أحد بني ليث ، وكان مصاب البصر : إني لذو حيلة لي مال ولي رقيق ، فاحملوني ! فخرج وهو مريض ، فأدركه الموت عند التنعيم ، فدفن عند مسجد التنعيم ، فنزلت فيه هذه الاَية : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ } . . . الاَية .

واختلف أهل التأويل في تأويل المراغَم ، فقال بعضهم : هو التحوّل من أرض إلى أرض . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { مُرَاغَما كَثِيرا } قال : المراغم : التحوّل من الأرض إلى الأرض .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : { مُرَاغَما كَثِيرا } يقول : متحوّلاً .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَما كَثِيرا } قال : متحوّلاً .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الحسن أو قتادة : { مُرَاغَما كَثِيرا } قال : متحوّلاً .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ : { يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَما كَثِيرا } قال : مندوحةً عما يكره .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : { مُرَاغَما كَثِيرا } قال : مزحزحا عما يكره .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { مُرَاغَما كَثيرا } قال : متزحزحا عما يكره .

وقال آخرون : مبتغَى معيشةٍ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { يَجِدْ فِي الأرْض مُرَاغَما كَثِيرا } يقول : مبتغى للمعيشة .

وقال آخرون : المراغم : المهاجر . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { مُرَاغَما } المراغم : المهاجر .

قال أبو جعفر : وقد بينا أولى الأقوال في ذلك بالصواب فيما مضى قبل .

واختلفوا أيضا في معنى السّعَة التي ذكرها الله في هذا الموضع فقال : { وَسَعَة }¹ فقال بعضهم : هي السعة في الرزق . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { مُرَاغَما كَثِيرا وَسَعَةً } قال : السّعة في الرزق .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : { مُرَاغَما كَثِيرا وَسَعَةً } قال : السعة في الرزق .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سلمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَسَعَةَ } يقول : سعة في الرزق .

وقال آخرون في ذلك ما :

حدثني بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { يَجِدْ فِي الأرْض مُرَاغَما كَثِيرا وَسَعَةً } : أي والله من الضلالة إلى الهدى ، ومن العيلة إلى الغنى .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أخبر أن من هاجر في سبيله يجد في الأرض مضطربا ومتسعا¹ وقد يدخل في السّعة ، السعة في الرزق ، والغنى من الفقر¹ ويدخل فيه السعة من ضيق الهمّ ، والكرب الذي كان فيه أهل الإيمان بالله من المشركين بمكة ، وغير ذلك من معاني السّعة التي هي بمعنى الرّوْح والفرج من مكروه ما كره الله للمؤمنين بمقامهم بين ظهراني المشركين وفي سلطانهم . ولم يضع الله دلالة على أنه عنى بقوله : «وسعة » بعض معاني السعة التي وصفنا ، فكل معاني السّعة هي التي بمعنى الروح والفرج مما كانوا فيه من ضيق العيش وغمّ جوار أهل الشرك وضيق الصدر ، بتعذّر إظهار الإيمان بالله وإخلاص توحيده وفراق الأنداد والاَلهة ، داخل في ذلك .

وقد تأوّل قوم من أهل العلم هذه الاَية ، أعني قوله : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُهُ على اللّهِ } أنها في حكم الغازي يخرج للغزو فيدركه الموت بعد ما يخرج من منزله فاصلاً فيموت ، أن له سهمه من المغنم وإن لم يكن شهد الوقعة . كما :

3518 حدثني المثنى ، قال : حدثنا يوسف بن عديّ ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد ابن أبي حببب ، أن أهل المدينة يقولون : من خرج فاصلاً وجب سهمه¹ وتأوّلوا قوله تبارك وتعالى : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ } .