التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

قوله تعالى : ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مرغما كثيرا وسعة من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ) .

ذلك تحريض من الله على الهجرة والخروج من أرض الفتنة إلى حيث الأمن وسلامة الدين والنفس وحيث العبادة والتحدّث في أمر الإسلام لتثبيته ونشره في الآفاق . وفي التحريض وعد من الله سبحانه بأن من يهاجر سوف يجد في الأرض مراغما كبيرا . وجاء في معنى المراغم بأنها التحوّل من أرض إلى أرض أو المتزحزح عما يؤدي أو الذهاب في الأرض . وقيل المبتغى للعيش وفي قول آخر مستنبط من الكلمة اشتقاقا وهو أن المراغم من الإرغام في غلبة وقهر . وكأن المؤمن المهاجر قد غمس أنوف المشركين في الرغام ( التراب ) حينما وجد مندوحة عن موطن قهرهم لحصوله بالهجرة على المنعة والتحصين{[818]} .

قوله : ( وسعة ) بمعنى الزرق والغنى بعد القلّة والضيق . وفي ذلك طمأنة للمؤمن الذي تحيط به الفتنة وسوء العذاب فيخرج مهاجرا في سبيل الله إلى حيث الأمن والسلامة . إنها طمأنة له كيلا يضطرب أو يتزعزع فيتثاقل إلى البقاء والاستدامة في أرض الضلال والإغواء خشية منه على الرزق أو هربا من عواقب الضيق والفاقة تحيق به إذا ما هاجر . فمن خلال هاتيك الظنون والهواجس التي قد تساور المسلم ينشر الله وعده بأن من يهاجر في سبيله سوف يجد في الأرض من الفضل والسعة ما يمكنه من العيش في هناءة وارتياح ، وأنه لن يكون في عداد الهائمين المضيعين . فالله ضمين لعباده الأتقياء الصابرين أن يدرأ عنهم كل أشكال العوادي والبوائق .

قوله : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا . . . ) جاء في سبب نزولها جملة أقوال لعلّ أقواها ما ورد في ضمرة بن جندب فقد خرج من مكة مهاجرا إلى رسول الله ( ص ) فمات في الطريق قبل أن يصل . وقيل غير ذلك{[819]} .

وتدل الآية على أن من يخرج من بيته مهاجرا في سبيل الله لا في سبيل مغنم أو دنيا ، ثم مات في الطريق ( فقد وقع أجره على الله ) أي حصل له عند الله من الثواب ما يساوي ثواب من هاجر . والحساب في ذلك أصلا يدور مع النية وهي أساس القبول والرضوان من الله جل وعلا ، وهي المثابة التي توزن في ضوئها أفعال العباد وأقوالهم فينالون أجورهم كاملة غير منقوصة . وثمة حديث عظيم نظل نعرض له باستمرار لأهميته وخطورته وهو ما ثبت في كتب الصحاح والمسانيد والسنن جميعا بإسناد عن عمر بن الخطاب عن النبي ( ص ) أنه قال : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .

ولذلك فإن من يحمل بين جوانحه قصدا للخير أو نية في التصرف الصالح فإن أجره محسوب ولو لم يتمكن من تحقيق ذلك بالفعل . وقد أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه بإسناده عن عبد الله بن عتيك قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : " من خرج من بيته مجاهدا في سبيل الله ، ثم قال : وأين المجاهدون في سبيل الله ، فخرّ عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله ، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله ، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله " .

وفي حديث آخر أخرجه الحافظ أبو يعلى بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) : " من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاجّ إلى يوم القيامة ، ومن خرج متعمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ، ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة " {[820]} .


[818]:- تفسير النسفي جـ 1 ص 246 وتفسير البيضاوي ص 124
[819]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 119.
[820]:- تفسير الطبري جـ 5 ص 147-154 وتفسير ابن كثير جـ 1 ص 541- 543.