الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

قوله : ( وَمَنْ يُّهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) الآية [ 100 ] .

المعنى أن من يفارق أرض الشرك ، ويمضي إلى أرض الإسلام فإنه يجد مذهباً( {[13383]} ) ، ومسلكاً إلى أرض الإسلام ، فالمراغم : المذهب .

قال مالك : المراغم الذهاب في الأرض ، والسعة سعة البلاد .

قال مالك : لا ينبغي المقام في أرض يسب فيها السلف ، ويعمل فيها بغير الحق( {[13384]} ) ، والله يقول : ( يَجِدْ فِي الاَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً ) .

وقال الثوري : ومعنى " وسعة " أي : سعة من الرزق( {[13385]} ) .

وقال ابن عباس : المراغم : المتجول من أرض إلى أرض .

وقال مجاهد : المراغم : المندوحة( {[13386]} ) عما يكره( {[13387]} ) .

وقال ابن زيد : المراغم : المهاجر( {[13388]} ) .

وقال أهل اللغة : المراغم : المضطرب والمذهب( {[13389]} ) .

قوله : ( وَسَعَةً ) يريد سعة في الرزق( {[13390]} ) .

وقال قتادة : " وسعة " أي " سعة من الضلالة إلى الهدى ، ومن القلة إلى الغنى( {[13391]} ) .

والمراغم : مشتق من الرغام وهو التراب ، يقال : رغم( {[13392]} ) أنف فلان : إذا ألصق بالتراب ، يستعار ذلك لمن ذل( {[13393]} ) وصغر يقال راغمت فلاناً : إذا عاديته . فسمي المهاجر مراغماً ، لأن المهاجر يعادي من يخرج عنه من أهل الكفر .

وقوله : ( وَمَنْ يَّخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً ) الآية [ 100 ] .

المعنى : إنه لما نزل ( اِنَّ الذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِينَ أَنفُسِهِمْ ) الآية .

قال ضمرة بن نعيم( {[13394]} ) وكان بمكة عليلاً : لي مال ولي رقيق ، ولي خليلة( {[13395]} ) ، فاحملوني فخرج ، وهو مريض( {[13396]} ) أو هاجر ، فأدركه الموت ، عند التنعيم فدفن ، ثم نزلت فيه ( وَمَنْ يَّخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) .

وقيل : اسم أبيه جندب ، وقيل زنباع ، وقيل العيص .

وقال ابن زيد : هو رج من بني كنانة هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ، فمات في الطريق ، فسخر به قومه واستهزءوا وقالوا : لا هو بلغ الذي يريد ، ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ، فأنزل الله ( وَمَنْ يَّخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) الآية .

ومعنى : ( وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) قال ابن جبير : هو رجل من خزاعة يقال له ضمرة بن العيص ، أو العيص بن ضمرة بن زنباع ، كان مريضاً فأمر أهله أن يحملوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرير ففعلوا ، فأتاه الموت بالتنعيم( {[13397]} ) فنزلت فيه الآية( {[13398]} ) وفي من كان مثله( {[13399]} ) .

وقيل : نزلت في رجل من كنانة من بني ضمرة مرض بمكة بعد إسلامه( {[13400]} ) ، فقال : أخرجوا( {[13401]} ) بي إلى الروح ، يريد المدينة ، فخرجوا به ، فلما كان بالحصاص( {[13402]} ) مات قاله عكرمة( {[13403]} ) .

وبهذه الآية أوجب العلماء للغازي إذا خرج للغزو ثم مات قبل القتال أن يعطى سهمه ، وإن لم يشهد الحرب( {[13404]} ) وذلك مذهب أهل المدينة فيما ذكر يزيد بن [ أبي( {[13405]} ) ] حبيب( {[13406]} ) ، ذكر ذلك ابن المبارك عن ابن لهيعة( {[13407]} ) عن يزيد( {[13408]} ) .


[13383]:- مذهبنا.
[13384]:- هي رواية ابن القاسم عن مالك. انظر: المحرر 4/228، والجامع للأحكام 5/348.
[13385]:- انظر: جامع البيان 5/241.
[13386]:- يقال: لي عن هذا الأمر مندوحة أي متسع. انظر: اللسان (ندح) 2/613.
[13387]:- انظر: تفسير مجاهد 1/171.
[13388]:- انظر: جامع البيان 5/241.
[13389]:- انظر: مجاز القرآن 1/138، وتفسير الغريب 134. والمفردات: 204.
[13390]:- عزاه الطبري إلى ابن عباس في جامع البيان 5/242.
[13391]:- انظر: المصدر السابق.
[13392]:- (أ): أرغم.
[13393]:- (أ): دخل.
[13394]:- اختلف في اسمه، واسم أبيه على أكثر من عشرة أوجه، والذي في الإصابة أنه ضمرة بن أبي العيص، أسلم وهو بمكة، ولم يهاجر كان موسراً أو مصاباً، فلما نزل قوله "إلا المستضعفين" قال: ... ثم ذكر القصة. انظر: أسد الغابة 2/443، والإصابة 2/204.
[13395]:- (أ): حيلة.
[13396]:- ساقط من (أ).
[13397]:- التنعيم: مكان بين مكة والمدينة منه يحوم المكيون. انظر: معجم البلدان 2/49.
[13398]:- انظر: أسباب النزول 1/101، ولباب النقول 79-81.
[13399]:- انظر: جامع البيان 5/240.
[13400]:- انظر:جامع البيان 5/239.
[13401]:- (أ): أخرجني وهو خطأ.
[13402]:- الحصاص اسم موضع، ويقال: ذو الحصاص جبل مشرف على ذي طوى. انظر: معجم البلدان 2/263.
[13403]:- انظر: جامع البيان 5/238.
[13404]:- مذهب مالك أن لا قسم إلا لمن شهد القتال. انظر: الموطأ كتاب الجهاد 368. ومثل ذلك قال الشافعي في الأم 4/151.
[13405]:- زيادة لابد منها لضبط الاسم، والتصويب من جامع البيان 5/242.
[13406]:- هو أبو رجاء المصري يزيد بن أبي حبيب بن سويد الأزدي توفي 128 هـ كان حجة حافظاً للحديث متفق على توثيقه. انظر: تاريخ الثقات، 478، والتهذيب 11/318، وطبقات الحفاظ 59.
[13407]:- هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة وليس الهيعة كما ورد في كل النسخ –ابن قرعان الحضرمي الغافقي توفي 174 هـ كان محدثاً وفقيهاً وقاضياً. انظر: المعارف 221، وميزان الاعتدال 2/475.
[13408]:- انظر: جامع البيان 5/242، والجامع للأحكام 5/348.