غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

92

قال ابن عباس في رواية عطاء : كان عبد الرحمن بن عوف يخبر أهل مكة بما ينزل فيهم من القرآن ، فكتب إليهم : { إِنّ الذين توفاهم الملائكة } الآية .

فلما قرأها المسلمون قال ضمرة بن جندب الليثي لبنيه - وكان شيخاً كبيراً - احملوني فإني لست من المستضعفين وإني لأهتدي إلى الطريق . فحمله بنوه على سرير متوجهاً إلى المدينة ، فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت فصفق بيمينه على شماله وقال : اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات حميداً . فبلغ خبره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فقالوا : لو وافى المدينة لكان أتم أجراً فأنزل الله تعالى فيه : { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً } أي مذهباً ومهرباً ومضطرباً قاله الفراء . وفي الكشاف يقال : راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك وأصله من الرغام وهو التراب فإنهم يقولون : رغم أنفه يريدون أنه وصل إليه شيء يكرهه ، وذلك لأنّ الأنف عضو في غاية العزة والتراب في غاية الذلة . ويمكن أن يقال : إنّ من فارق أهل بلدته فإذا استقام أمره في بلدة أخرى رغمت أنوف أهل بلدته بسبب سوء معاملتهم معه .

واعلم أنه سبحانه لما رغب في الهجرة ذكر بعده ما لأجله يمتنع الإنسان عن هجرة الوطن ، وبين الجواب عنه والمانع أمران : الأوّل أن يكون له في وطنه نوع رفاهية وراحة فيخاف زوال ذلك عنه فأجاب الله تعالى عنه بقوله : { ومن يهاجر } كأنه قيل للمكلف إن كنت تكره الهجرة عن وطنك خوفاً من أن تقع في المشقة والمحنة في السفر فلا تخف فإنّ الله تعالى يعطيك من النعم الجليلة والمراتب السنية في مهاجرك ما يكون سبباً لرغم أنوف أعدائك ، ويصير سبباً لسعة عيشك ، وإنما قدم في الآية ذكر رغم الأعداء على ذكر سعة العيش لأن ابتهاج المهاجر بدولته من حيث إنها سبب رغم أناف الأعداء أشد من ابتهاجه بها من حيث إنها سبب سعة رزقه وعيشه . المانع الثاني أن الإنسان يقول : إن خرجت من بيتي في طلب العمل والجهاد والمهاجرة إلى الله ورسوله ، وفي معناه كل غرض ديني من طلب علم أو حج أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة وزهداً في الدنيا وابتغاء رزق طيب ، فربما وصلت إليه وربما لم أصل إليه ، فالأولى أن لا أضيع الرفاهية الحاضرة لطلب شيء مظنون ، فأجاب الله سبحانه عنه بقوله : { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } قال بعضهم : ثبت له أجر قصده وأجر القدر الذي أتى به من ذلك العمل ، وأما أجر تمام العمل فمحال . والصحيح أن المراد من قصد طاعة ثم عجز عن إتمامها فإن له ثواب تمام تلك الطاعة كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المريض إذا عجز عما كان يفعله من الطاعة في حال الصحة كتب له ثواب مثل ذلك إلى أن يبرأ " . وأيضاً من المعلوم أن كل من أتى بعمل فإنه يجد الثواب المرتب على ذلك القدر فلا يبقى في الآية فائدة الترغيب . وأيضاً لا تكون الآية جواباً عن قول الصحابة في ضمرة لو وافى المدينة لكان أتم أجراً .

قالت المعتزلة : في الآية دليل على أن العمل يوجب الثواب على الله لأن الوقوع والوجوب السقوط . قال تعالى :{ فإذا وجبت جنوبها }[ الحج :36 ] أي وقعت وسقطت ولفظ الأجر وكلمة " على " يؤكدان ما قلنا ، وأجيب بأنا لا ننازع في أن الثواب يقع ألبتة لكن بحكم الوعد والعلم والتفضل والكرم . واستدل بعض الفقهاء بالآية على أن الغازي ، إذا مات في الطريق وجب سهمه في الغنيمة كما وجب أجره ، وُردَّ بأن قسم الغنيمة يتوقف على حيازتها بخلاف الأجر . { وكان الله غفوراً رحيماً } يغفر ما كان منه من القعود إلى أن خرج ويرحمه بإكمال أجر المجاهدين .

/خ101