السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

{ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً } أي : متحوّلاً يتحوّل إليه ، وقيل : طريقاً يراغم بسلوكه قومه أي : يفارقهم على رغم أنوفهم مأخوذ من الرغام ، والرغم الذل والهوان ، وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التراب يقال : راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك { و } يجد { سعة } في الرزق كما قال صلى الله عليه وسلم : ( صوموا تصحوا وسافروا تغنموا ) أخرجه الطبرانيّ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ولفظه ( واغزوا تغنموا وهاجروا تفلحوا ) ولما سمع هذه الآية رجل من بني قيس يقال له : جندب بن ضمرة قال : ما أنا ممن استثنى الله عز وجل وإني لأجد حيلة ولي من المال ما يبلغني المدينة وأبعد منها والله لا أبيت الليلة بمكة اخرجوني فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به التنعيم فأدركه الموت فصفق بيمينه على شماله ثم قال : اللهمّ هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما يبايعك عليه رسول فمات ، قال التفتازانيّ : الظاهر أنّ هذه إشارة إلى اليمين وهذه إلى الشمال لا قصد إسناد الجارحة إلى الله تعالى بل على سبيل التصوير وتمثيل مبايعة الله تعالى على الإيمان والطاعة بمبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ، وقيل : إشارة إلى البيعة والصفقة ، والمعنى : أن بيعته كبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بيعة كبيعة الناس فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لو وافى المدينة كان أتمّ وأوفى أجراً وضحك المشركون وقالوا : ما أدرك هذا ما طلب فنزل { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت } أي : في الطريق قبل مقصده { فقد وقع أجره على الله } أي : ثبت أجره عنده تعالى ثبوت الأجر الواجب تفضلاً منه ورحمة { وكان الله غفوراً } لتقصيره إن كان { رحيماً } يكرم بعد المغفرة بأنواع الكرامات .