معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (33)

32

قوله تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } اختلفوا في معنى هذه الآية ، فقال محمد بن إسحاق : هذا حكاية عن المشركين أنهم قالوها وهي متصلة بالآية الأولى ، وذلك أنهم كانوا يقولون : إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفره ، ولا يعذب أمة ونبيها معها ، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يذكر جهالتهم ، وغرتهم ، واستفتاحهم على أنفسهم : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } الآية وقالوا { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } ثم قال رداً عليهم : { وما لهم أن لا يعذبهم الله } وإن كنت بين أظهرهم ، وإن كانوا يستغفرون { وهم يصدون عن المسجد الحرام } ؟ . وقال الآخرون : هذا كلام مستأنف يقول الله عز وجل إخباراً عن نفسه : { وما كان الله ليعذبهم } واختلفوا في تأويلها ، فقال الضحاك وجماعة : تأويلها { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } مقيم بين أظهرهم ، قالوا : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة ، ثم خرج من بين أظهرهم ، وبقيت بها بقية من المسلمين يستغفرون ، فأنزل الله تعالى : { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } .

قوله تعالى : { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } فخرج أولئك من بينهم فعذبوا ، وأذن الله في فتح مكة ، فهو العذاب الذي وعدهم الله . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لم يعذب الله قرية حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا ، ويلحق بحيث أمر . فقال : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } يعني المسلمين ، فلما خرجوا قال الله تعالى : { وما لهم ألا يعذبهم الله } فعذبهم الله يوم بدر ، وقال أبو موسى الأشعري : كان فيكم أمانان ، { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى ، والاستغفار كائن فيكم إلى يوم القيامة ، وقال بعضهم : هذا الاستغفار راجع إلى المشركين ، وذلك أنهم كانوا يقولون بعد الطواف : غفرانك غفرانك . وقال يزيد بن رومان : قالت قريش : إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء ، فلما أمسوا ندموا على ما قالوا ، فقالوا : غفرانك اللهم ، فقال الله عز وجل { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } . أي : لو استغفروا ، ولكنهم لم يكونوا يستغفرون ، ولو أنهم أقروا بالذنب ، واستغفروا ، لكانوا مؤمنين ، وقيل : هذا دعاء إلى الإسلام والاستغفار بهذه الكلمة ، كالرجل يقول لغيره : لا أعاقبك وأنت تطيعني ، أي أطعني حتى لا أعاقبك ، وقال مجاهد وعكرمة : وهم يستغفرون أي يسلمون ، يقول : لو أسلموا لم عذبوا ، وروى الوالبي عن ابن عباس : أي وفيهم من سبق له من الله أن يسلم ويؤمن ، ويستغفر ، وذلك مثل : أبي سفيان ، وصفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام ، وغيرهم . وروى عبد الوهاب عن مجاهد : { وهم يستغفرون } أي وفي أصلابهم من يستغفر .