تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (33)

وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) يحتمل قوله : ( وأنت فيهم ) أي في جملة المؤمنين أنه لا يعذب أحدا في الدنيا ما دام هو فيهم ، ومادام [ فيهم مؤمن لقوله تعالى ][ في الأصل وم : مؤمن فيهم بقوله ] : ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) أي يؤمنون ، وهو[ في الأصل وم : وهم ] كما ذكر أنه أرسله رحمة بقوله : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )[ الأنبياء : 107 ] ومن رحمته ألا يعذب أحدا من أمته في الدنيا ، إنما يؤخر ذلك إلى يوم التنادي بقوله : ( إنما نؤخرهم ليوم )[ إبراهيم : 42 ] كذا وقوله : ( والساعة أدهى وأمر )[ القمر : 46 ] .

ويحتمل أن يكون قوله : ( وأنت فيهم ) في أهل مكة خاصة ؛ إنه لا يعذبهم مادام فيهم أحد من المسلمين من نحو النساء والذراري كقوله ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم )الآية[ الفتح : 25 ] أي لا نعذبهم وأنت يا محمد فيهم ؛ أي بين أظهرهم حتى نخرجك من بينهم .

[ وقيل ][ ساقطة من الأصل وم ] ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) أي يصلون ، وقيل : يؤمنون .

وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه ولكن يعذبهم تعذيب القتال والجهاد ، ولا يعذبهم استئصال على ما أهلك[ في الأصل وم : هلك ] سائر الأمم .

ثم إن المعتزلة تعلقت بظاهر قوله تعالى : ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) أي سيؤمنون ، أي لا يعذبهم مادام يعلم أن فيهم أحدا يؤمن في آخر عمره ، أو من قولهم : ألا يجوز الله أن يهلك أحدا إذا كان في علمه أنه سيؤمن في آخر عمره لقولهم في الأصلح : إن الله لا يفعل بخلقه إلا ما هو أصلح لهم في الدين . فعلى ذلك تأولوا ظاهر هذه الآية أنه لا يعذبهم ، وهم يستغفرون ؛ أي سيؤمنون .

لكن لو كان كما قالوا لكان لا يجوز الجهاد معهم أبدا ، ويسقط الأمر بالقتال ؛ إذ لعل فيهم من يسلم ، فإذن أمره بالجهاد والقتال معهم دل أن ذلك ليس ما توهموا ، والله أعلم .

وقال بعضهم في قوله : ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) أي وهم يدخلون في الإسلام . وقيل : يسلمون .

وقال بعضهم : ( وهم يستغفرون ) بقية من بقي في مكة من المسلمين ، فلما خرجوا منها قال : ( وما لهم ألا يعذبهم الله )الآية[ الأنفال : 34 ] .

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : فيكم أمانان ، أحدهما : رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول الله : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) والآخر : الاستغفار لقول الله : ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) قال : فذهب أمان ، وهو رسول الله ، وبقي أمان ، وهو الاستغفار .

وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين ، لا يزالون معصومين[ في الأصل وم : معصومون ] من قوارع العذاب مادام بين أظهرهم ؛ فأمان قبضه الله إليه ، وأمان بقي فيهم[ في الأصل وم : فيكم ] ، وهو الاستغفار الذي ذكر .

وروي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كان ساجدا في آخر سجوده في صلاة [ آية الكسوف ][ في الأصل وم : الآيات ] ، فقال : أف أف ، فقال : رب ألم تعدني ألا تعذبهم ، وأنا فيهم ؟ رب ألم تعدني ألا تعذبهم وهم يستغفرون ؟ »[ بنحوه أبو داوود1194 ] .

وعن بعضهم : أمانان أنزلهما الله ؛ أما أحدهما فمضى ، وهو نبي الله ، وأما الآخر فأبقاه الله تعالى بين أظهركم ، وهو الاستغفار والتوبة .

وفي إثبات قول السفهاء ودعائهم بإمطار الحجارة عليهم وجعل ذلك [ الاستغفار ][ ساقطة من الأصل وم ] كتابا يتلى في الصلوات أوجه ثلاثة من الحكمة :

أحدها : تعريف لهذه الأمرة المعاملة مع السفهاء عند ارتكاب المناكير من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا[ في الأصل وم : أنهم إنما ] تمادوا في غيهم ، واستقبلوا بالمكروه والأذى ، ألا يترك الأمر لهم بالمعروف ، ولا ييأس من خيرهم اقتداء بالنبي أنه لم يترك دعاءهم وأمرهم بالمعروف مع شدة سفههم وتمردهم .

والثاني : ليعلم الخلق أن حجة الله تلزم العباد ، وإن كانوا قد جهلوا إذا كان لتضييع جاء من قبلهم في ترك النظر والتفكر ؛ إذ لو علموا حقيقة العلم أنه الحق لم يكونوا ليدعوا على أنفسهم بالهلاك .

والثالث : يكون فيه بيان .