الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (33)

قوله تعالى : { لِيُعَذِّبَهُمْ } : قد تقدَّم الكلامُ على هذه اللام المسماة لام الجحود . والجمهورُ على كسرها . وقرأ أبو السمال بفتحها قال ابن عطية عن أبي زيد : " سمعت من العرب مَنْ يقول : " لَيعذبهم " بفتح اللام ، وهي لغةٌ غيرُ معروفةٍ ولا مستعملةٍ في القرآن " ، قلت : يعني في المشهور منه ولم يَعْتَدَّ بقراءة أبي السمال " . وروى ابن مجاهد عن أبي زيد فتحَ كلِّ لامٍ/ عن بعض العرب إلا في " الحمد لله " . وروى عبد الوارث عن أبي عمرو فَتْحَ لامِ الأمرِ من قوله { فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ } [ عبس : 24 ] .

وأتى بخبر " كان " الأولى على خلاف ما أتى به في الثانية ، فإنه : إمَّأ أن يكونَ محذوفاً وهو الإِرادة كما يقدِّره البصريون أي : ما كان الله مُريداً لتعذيبهم ، وانتفاءُ إرادة العذاب أبلغُ من نفي العذاب ، وإمَّا أنه أكَّده باللام على رأي الكوفيين لأنَّ كينونَته فيهم أبلغُ من استغفارهم فشتَّان بين وجودِه عليه السلام فيهم وبين استغفارِهم .

وقوله : { وَأَنتَ فِيهِمْ } حال ، وكذلك { وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . والظاهر أن الضمائرَ كلَّها عائدةً على الكفار وقيل : الضمير في " يُعَذِّبهم " و " مُعَذِّبهم " للكفار ، والضمير من قوله " وهم " للمؤمنين . وقال الزمخشري : " وهم يستغفرون " في موضع الحال ، ومعناه نفيُ الاستغفارِ عنهم أي : ولو كانوا ممَّن يؤمن ويَسْتغفر من الكفر لَمَا عذَّبهم كقوله تعالى : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [ هود : 114 ] ولكنهم لا يَسْتغفرون ولا يؤمنون ولا يُتوقَّع ذلك منهم " وهذا المعنى الذي ذكره منقولٌ عن قتادة وأبي زيد واختاره ابنُ جرير .