الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (33)

وأخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس قالا : قالت قريش بعضها لبعض : محمد صلى الله عليه وسلم أكرمه الله من بيننا { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء . . . } الآية . فلما أمسوا ندموا على ما قالوا فقالوا : غفرانك اللهم . فأنزل الله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } إلى قوله { لا يعلمون } .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن أبزي رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فأنزل الله { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأنزل الله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } فلما خرجوا أنزل الله { وما لهم أن لا يعذبهم الله . . . } الآية فأذن في فتح مكة ، فهو العذاب الذي وعدهم .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطية رضي الله عنه في قوله { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } يعني المشركين حتى يخرجك منهم { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } قال : يعني المؤمنين ، ثم أعاد المشركين فقال { وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام } .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } يقول : لو استغفروا وأقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين . وفي قوله { وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام } يقول : وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } قال : بين أظهرهم { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } يقول : وما كان الله معذبهم وهو لا يزال الرجل منهم يدخل في الإسلام .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } قال : وهم يدخلون في الإسلام .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار رضي الله عنه قال : سئل سعيد بن جبير رضي الله عنه عن الاستغفار ؟ فقال : قال الله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } يقول : يعملون على الغفران ، وعلمت أن ناسا سيدخلون جهنم ممن يستغفرون بألسنتهم ممن يدعي الإسلام وسائر الملل .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة والحسن رضي الله عنهما في قوله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } قالا : نسختها الآية التي تليها { وما لهم أن لا يعذبهم الله } فقوتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع والحصر .

وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه . مثله .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي مالك رضي الله عنه { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } يعني أهل مكة { وما كان الله معذبهم } وفيهم المؤمنون يستغفرون .

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن قتادة رضي الله عنه قال : إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم ، أما داؤكم فذنوبكم ، وأما دواؤكم فالاستغفار .

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن كعب رضي الله عنه قال : إن العبد ليذنب الذنب الصغير فيحتقره ولا يندم عليه ولا يستغفر منه ، فيعظم عند الله حتى يكون مثل الطود ، ويذنب الذنب فيندم عليه ويستغفر منه فيصغر عند الله عز وجل حتى يعفو له .

وأخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنزل الله علي أمانين لأمتي { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة " .

وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان فيكم أمانان مضى أحدهما وبقي الآخر .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم ، فأمان قبضه الله تعالى إليه ، وأمان بقي فيكم قوله { وما كان الله ليعذبهم . . . } الآية .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والحاكم وابن عساكر عن أبي موسى رضي الله عنه قال : إنه قد كان فيكم أمانان ، مضى أحدهما وبقي الآخر { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد مضى بسبيله ، وأما الاستغفار فهو كائن إلى يوم القايمة .

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان في هذه الأمة أمانان : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاستغفار ، فذهب أمان - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبقي أمان ، يعني الاستغفار .

وأخرج أحمد عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله " .

وأخرج أحمد والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله : " إن الشيطان قال : وعزتك يا رب ، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم . قال الرب : وعزتي وجلالي ، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني " .

وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال : " من أكثر من الاستغفار ، جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب " .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا " .

وأخرج الحكيم الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن استطعتم أن تكثروا من الاستغفار فافعلوا ، فإنه ليس شيء أنجح عند الله ولا أحب إليه منه " .

وأخرج أحمد في الزهد عن مغيث بن أسماء رضي الله عنه قال : كان رجل ممن كان قبلكم يعمل بالمعاصي ، فبينما هو ذات يوم يسير إذ تفكر فيما سلف منه فقال : اللهم غفرانك . فأدركه الموت على تلك الحال فغفر له .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : طوبى لمن وجد في صحيفته بندا من الاستغفار .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : من قال : أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه خمس مرات ، غفر له وإن كان عليه مثل زبد البحر .

وأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال " انكسفت الشمس على عهد رسول الله ، فصلى رسول الله ، فقام فلم يكد يركع ، ثم ركع فلم يكد يسجد ، ثم سجد فلم يكد يرفع ، ثم رفع وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك ، ثم نفخ في آخر سجوده ، ثم قال : رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم ، رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك . ففرغ رسول الله من صلاته وقد انمخضت الشمس " .

وأخرج الديلمي عن عثمان بن أبي العاص قال : قال رسول الله في الأرض أمانا : أنا أمان ، والاستغفار أمان ، وأنا مذهوب بي ويبقى أمان الاستغفار ، فعليكم بالاستغفار عند كل حدث وذنب " .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } قال : ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } يقول : وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان : وهو الاستغفار . وقال للكافر { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) ( آل عمران الآية 179 ) فيميز الله أهل السعادة من أهل الشقاوة { وما لهم أن لا يعذبهم الله } فعذبهم يوم بدر بالسيف .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } ثم استثنى أهل الشرك فقال { وما لهم أن لا يعذبهم الله } .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والنحاس وأبو الشيخ عن الضحاك { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } قال : المشركين الذين بمكة { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } قال : المؤمنين بمكة { وما لهم أن لا يعذبهم الله } قال : كفار مكة .