الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (33)

وقوله سبحانه : { وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } [ الأنفال : 33 ] قالَتْ فرقة : نزلَتْ هذه الآية كلُّها بمكَّة ، وقالت فرقة : نزلَتْ كلُّها بعد وقعة بَدْرٍ ، حكاية عما مضَى ، وقال ابْنُ أَبْزَى : نَزَلَ قوله : { وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } بمكَّة إِثر قولهم : { أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، ونزل قوله : { وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، عند خروج النبيِّ صلى الله عليه وسلم من مكَّة في طريقه إِلى المدينة ، وقد بقي بمكَّة مؤمنون يستغفرون ، ونَزَلَ قوله : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله } [ الأنفال : 34 ] إلى آخر الآية ، بعد بَدْر عند ظهور العَذَاب عليهم .

( ت ) : وهذا التأويل بَيِّن ، وعليه اعتمد عِيَاضٌ في «الشِّفَا » قال : وفي الآية تأويلٌ آخر ، ثم ذكَرَ حديث التِّرْمِذيِّ ، عن أبي موسَى الأشعريِّ ، قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لأُمَّتي : { وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الأنفال : 33 ] فَإِذَا مَضَيْتُ ، تَرَكْتُ فِيهِمْ الاستغفار ) ، انتهى .

قال ( ع ) : وأجمعَ المتأوِّلون عَلى أن معنى قوله : { وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } أن اللَّه عزَّ وجلَّ لم يعذِّب قطُّ أُمةً ونبيُّها بَيْنَ أظهرها ، أي : فما كان اللَّه ليعذِّب هذه الأمة ، وأنْتَ فيهم ، بل كرامَتُكَ لديه أعظَمُ .