أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

{ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } لما بين اختصاصه تعالى بالقدرة التامة الفائقة العامة اتبعه ما هو كاللازم له ، وهو التفرد بعلم الغيب والاستثناء منقطع ، ورفع المستثنى على اللغة التميمية للدلالة على انه تعالى إن كان ممن في السماوات والأرض ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم ، أو متصل على أن المراد ممن في السماوات والأرض من تعلق علمه بها واطلع عليها اطلاع الحاضر فيها ، فإنه يعم الله تعالى وأولي العلم من خلقه وهو موصول أو موصوف . { وما يشعرون أيان يبعثون } متى ينشرون مركبة من " أي " " وآن " ، وقرئت بكسر الهمزة والضمير لمن وقيل للكفرة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

لما أبطلت الآيات السابقة إلهية أصنام المشركين بالأدلة المتظاهرة فانقطع دابر عقيدة الإشراك ثني عنان الإبطال إلى أثر من آثار الشرك وهو ادعاء علم الغيب بالكهانة وإخبار الجن ، كما كان يزعمه الكهان والعرافون وسدنة الأصنام . ويؤمن بذلك المشركون . وفي « معالم التنزيل » وغيره نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة فما كان سؤالهم عن ذلك إلا لظنهم أن ادعاء العلم بوقتها من شأن النبوءة توصلاً لجحد النبوءة إن لم يعين لهم وقت الساعة فأبطلت الآية هذه المزاعم إبطالاً عاماً معياره الاستثناء بقوله { إلا الله } وهو عام مراد به الخصوص أعني خصوص الكهان وسدنة بيوت الأصنام . وإنما سلك مسلك العموم لإبطال ما عسى أن يزعم من ذلك ، ولأن العموم أكثر فائدة وأوجز ، فإن ذلك حال أهل الشرك من بين من في السماوات والأرض . فالقصد هنا تزييف آثار الشرك وهو الكهانة ونحوها . وإذ قد كانت المخلوقات لا يعدون أن يكونوا من أهل السموات أو من أهل الأرض لانحصار عوالم الموجودات في ذلك كان قوله { لا يعلم من في السموات والأرض الغيب } في قوة لا يعلم أحد الغيب ، ولكن أطنب الكلام لقصد التنصيص على تعميم المخلوقات كلها فإن مقام علم العقيدة مقام بيان يناسبه الإطناب .

واستثناء { إلا الله } منه لتأويل { من في السماوات والأرض } بمعنى : أحد ، فهو استثناء متصل على رأي المحققين وهو واقع من كلام منفي . فحق المستثنى أن يكون بدلاً من المستثنى منه في اللغة الفصحى فلذلك جاء اسم الجلالة مرفوعاً ولو كان الاستثناء منقطعاً لكانت اللغة الفصحى تنصب المستثنى .

وبعد فإن دلائل تنزيه الله عن الحلول في المكان وعن مماثلة المخلوقات متوافرة فلذلك يجري استعمال القرآن والسنة على سنن الاستعمال الفصيح للعلم بأن المؤمن لا يتوهم ما لا يليق بجلال الله تعالى . ومن المفسرين من جعل الاستثناء منقطعاً وقوفاً عند ظاهر صلة { من في السماوات والأرض } لأن الله ينزّه عن الحلول في السماء والأرض .

وأما من يتفضل الله عليه بأن يظهره على الغيب فذلك داخل في علم الله قال تعالى { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول } [ الجن : 26 ، 27 ] . فأضاف ( غيب ) إلى ضمير الجلالة .

وأردف هذا الخبر بإدماج انتفاء علم هؤلاء الزاعمين علم الغيب أنهم لا يشعرون بوقت بعثهم بل جحدوا وقوعه إثارة للتذكير بالبعث لشدة عناية القرآن بإثباته وتسفيه الذين أنكروه . فذلك موقع قوله { وما يشعرون أيان يبعثون } ، أي أن الذين يزعمون علم الغيب ما يشعرون بوقت بعثهم .

و { أيان } اسم استفهام عن الزمان وهو معلِّق فعل { يشْعرون } عن العمل في مفعوليه . وهذا تورّكٌ وتعيير للمشركين فإنهم لا يؤمنون بالبعث بَلْةَ شعورهم بوقته .