قوله : { إِلاَّ اللَّهُ } : فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنه فاعلُ " يَعْلَمُ " و " مَنْ " مفعولُه . و " الغيبَ " بدلٌ مِنْ " مَنْ السماواتِ " أي : لا يعلمُ غيبَ مَنْ في السماواتِ والأرضِ إلاَّ اللهُ أي : الأشياءَ الغائبةَ التي تَحْدُثُ في العالَمِ . وهو وجهٌ غريبٌ ذكره الشيخ . الثاني : أنه مستثنى متصلٌ مِنْ " مَنْ " ، ولكن لا بُدَّ من الجمعِ بين الحقيقةِ والمجازِ في كلمةٍ واحدةٍ على هذا الوجهِ بمعنى : أنَّ عِلْمَه في السماوات والأرضِ ، فيَنْدَرِجُ في { مَن فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ } بهذا الاعتبارِ وهو مجازٌ وغيرُه مِنْ مخلوقاتِه في السماواتِ والأرضِ حقيقةٌ ، فبذلِك الاندراجِ المُؤَوَّل اسْتُثْنِي مِنْ " مَنْ " وكان الرفعُ على البدلِ أَوْلَى لأنَّ الكلامَ غيرُ موجَبٍ .
وقد رَدَّ الزمخشريُّ هذا : بأنه جَمْعٌ بين الحقيقةِ والمجازِ ، وأوجبَ أن يكونَ منقطعاً فقال : " فإنْ قلتَ : لِمَ رُفِعَ اسمُ اللهِ ، واللهُ يَتعالَى أن يكونَ مِمَّنْ في السماواتِ والأرض ؟ قلت : جاء على لغةِ بني تميمٍ حيث يقولون : " ما في الدار أحدٌ إلاَّ حمارٌ " يريدون : ما فيها إلاَّ حمارٌ ، كأنَّ " أحداً " لم يُذْكَرْ . ومنه قولُه :
عَشِيَّةَ ما تُغْني الرِّماحُ مكانَها *** ولا النَّبْلُ إلاَّ المَشْرَفِيُّ المُصَمِّمُ
وقولُهم : " ما أتاني زيدٌ إلاَّ عمروٌ ، وما أعانني إخوانكم إلاَّ إخوانُه " . فإنت قلت : ما الداعي إلى اختيارِ المذهبِ التميمي على الحجازي ؟ قلت : دَعَتْ إليه نُكْتَةٌ سِرِّيَّةُ حيث أُخْرِج المستثنى مُخْرَجَ قولِه :
إلاَّ اليَعافِيرُ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ***
3579 . . . . . . . . . . . . . . . . . . لَيْسَ بها أنيسُ ***
ليَؤُوْلَ المعنى إلى قولك : إنْ كان الله مِمَّنْ في السماوات والأرضَ فهم يعلمون الغيبَ . يعني : أنَّ عِلْمَهم الغيبَ في استحالتِه كاستحالةِ أن يكونَ اللهُ منهم . كما أنَّ معنى ما في البيت : إنْ كانت اليعافيرُ أَنيساً ففيها أنيسٌ ، بَتَّاً للقولِ بخُلُوِّها من الأنيسِ . فإن قلت : هَلاَّ زَعَمْتَ أن اللهَ مِمَّنْ في السماواتِ والأرضِ ، كما يقول المتكلمون : " إنَّ الله في كلِّ مكان " على معنى : أنَّ عِلْمَه في الأماكن كلها ، فكأنَّ ذاتَه فيها حتى لا يُحْمَل على مذهبِ بني تميمٍ " قلتُ : يَأْبَى ذلك أنَّ كونَه في السمواتِ والأرضِ مجازٌ ، وكونَهم فيهنَّ حقيقةٌ ، وإرادةُ المتكلمِ بعبارةٍ واحدةٍ حقيقةً ومجازاً غيرُ صحيحٍ . على أنَّ قولَك " مَنْ في السماوات والأرض : وجَمْعَك بينه وبينهم في إطلاقِ اسمٍ واحدٍ ، فيه إيهامُ تَسْويةٍ ، والإِيهاماتُ مُزَالةٌ عنه وعن صفاتِه . ألا ترى كيف " قال عليه السلام لِمَنْ قال : " ومَنْ يَعْصِهما فقد غوى " " بِئْسَ خطيبُ القومِ أنت " " قلت : فقد رَجَّحَ الانقطاعَ واعتذر عن ارتكابِ مذهبِ التميمين بما ذَكَر . وأكثرُ العلماءِ أنه لا يُجْمَعُ بين الحقيقةِ والمجازِ في كلمةٍ واحدة . وقد قال به الشافعيُّ " .
قوله : { أَيَّانَ } هي هنا ، بمعنى " متى " / وهي منصوبةٌ ب " يُبْعَثون " فتعلُّقُه ب " يَشْعُرون " فهي مع ما بعدها في محلِّ نصبٍ بإسقاطِ الباءِ أي : ما يَشْعرون بكذا . وقرأ السُّلميٌّ " إيَّان " بكسرِ الهمزةِ ، وهي لغةُ قومِه بني سُلَيْم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.