مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

{ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون } .

اعلم أنه تعالى لما بين أنه المختص بالقدرة فكذلك بين أنه هو المختص بعلم الغيب ، وإذا ثبت ذلك ثبت أنه هو الإله المعبود ، لأن الإله هو الذي يصح منه مجازاة من يستحق الثواب على وجه لا يلتبس بأهل العقاب ، فإن قيل الاستثناء حكمه إخراج ما لولاه لوجب أو لصح دخوله تحت المستثنى منه ودلت الآية ههنا على استثناء الله سبحانه وتعالى عمن في السماوات والأرض فوجب كونه ممن في السماوات والأرض وذلك يوجب كونه تعالى في المكان والجواب : هذه الآية متروكة الظاهر لأن من قال إنه تعالى في المكان زعم أنه فوق السماوات ، ومن قال إنه ليس في مكان فقد نزهه عن كل الأمكنة ، فثبت بالإجماع أنه تعالى ليس في السماوات والأرض . فإذن وجب تأويله فنقول إنه تعالى ممن في السماوات والأرض كما يقول المتكلمون : الله تعالى في كل مكان على معنى أن علمه في الأماكن كلها ، لا يقال إن كونه في السماوات والأرض مجاز وكونهم فيهن حقيقة وإرادة المتكلم بعبارة واحدة ومجازا غير جائزة ، لأنا نقول كونهم في السماوات والأرض ، كما أنه حاصل حقيقة وهو حصول ذواتهم في الأحياز فكذلك حاصل مجازا ، وهو كونهم عالمين

بتلك الأمكنة فإذا حملنا هذه الغيبة على المعنى المجازي وهو الكون فيها بمعنى العلم دخل الرب سبحانه وتعالى والعبيد فيه فصح الاستثناء .

أما قوله : { وما يشعرون } فهو صفة لأهل السماوات والأرض نفى أن يكون لهم علم الغيب وذكر في جملة الغيب متى البعث بقوله : { أيان يبعثون } فأيان بمعنى متى وهي كلمة مركبة من أي والآن وهو الوقت وقرئ { أيان } بكسر الهمزة .