فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

{ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون65 بل ادّارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون66 وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون 67 لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين68 }

الآيات الكريمة من أول الآية 59 : { قل الحمد لله . . } وحتى القول الحكيم : { هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } بينت الدليل بعد الدليل ، والحجة تلو الحجة على عظيم قدرة الله تعالى ، وتوحيده بالخلق والرزق ، والولاية والتدبير ، وهذه بينت ما استأثر الخبير البصير بعلمه مما يغيب عن المخلوقين ، وسفهت ضلال المرتابين في البعث ، المكذبين بالآخرة ، أمر الله تعالى نبيه أن يقول لجاحدي اليوم الآخر ، أومن يسألون : متى الساعة ؟ يقول لهؤلاء وهؤلاء لا يعلم أحد ممن في السموات وفي الأرض من ملك مقرب أو نبي مرسل أو من سائر ما عداهما الغيب{[2907]} ، لكن المولى المعبود بحق سبحانه وحده يعلم الغيب والشهادة ، ما يغيب وما يشاهد ، { وما يشعرون أيان يبعثون } وما يدري أحد سوى الله متى يكون البعث وتكون القيامة وأحوالها وأهوالها .

[ واعترض حديث الاتصال بأنه يلزم عليه التسوية بينه تعالى وبين غيره في إطلاق لفظ واحد وهو أمر مذموم ، فقد أخرج مسلم ، وأبو داود ، والنسائي عن عدي بن حاتم أن رجلا خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بئس خطيب القوم أنت قل ومن يعص الله ورسوله " ، وأجيب بأن ذلك مما يذم إذا صدر من البشر ، أما إذا صدر منه تعالى فلا يذم ، على أن كونه مما يذم إذا صدر من البشر مطلقا ممنوع ، فقد روى البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كن فيه وجد بهن طعم الإيمان من كان الله تعالى ورسوله أحب إليه مما سواهما " الحديث . . . والغيب في الأصل مصدر غابت الشمس وغيرها إذا استترت عن العين ، واستعمل في الشيء الغائب الذي لم تنصب له قرينة ، وكون ذلك غيبا باعتباره بالناس ونحوهم ، لا بالله عز وجل ، فإنه سبحانه لا يغيب عنه تعالى شيء . . . واختار بعضهم الاستغراق ، أي : لا يعلم من في السموات والأرض كل غيب إلا الله ، فإنه سبحانه يعلم كل غيب . . . واعترض بأنه يلزم أن يكون من أهل السموات والأرض من يعلم بعض الغيوب ، وظاهر كلام كثير من الأجلة يأبى ذلك ، ويؤيده ما أخرجه الشيخان . . من حديث مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم يخبر الناس بما يكون في غد- وفي بعض الروايات- يعلم ما غد فقد أعظم على الله تعالى الفرية ، والله تعالى يقول : { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله . . } ، وجوز بعضهم أن يكون منهم من يعلم بعض الغيوب . . . . ولعل الحق أن يقال : إن علم الغيب المنفي عن غيره جل وعلا هو ما كان للشخص لذاته أي بلا واسطة في ثبوته له . . . . لم يجيء في القرآن الكريم نسبة علم الغيوب إلى غيره تعالى أصلا ، وجاء الإظهار على الغيب لمن ارتضى سبحانه من رسول . . ]{[2908]}


[2907]:روى ابن أبي حاتم عن قتادة: قال: إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجوما للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به، وإن أناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة، من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا و كذا كان كذا أو كذا، ومن ولد بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ولعمري، ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والقصير والطويل والحسن والدميم، وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب،! وقضى الله تعالى أنه لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب وما يشعرون أيان يبعثون، قال ابن أبي حاتم: وهو كلام جليل متين صحيح.
[2908]:ما بين العلامتين[ ] مما جاء في روح المعاني، وقد أسهب في هذا البحث، فمن أراد المزيد فليراجع جـ 20 من ص 9 إلى ص 12.