غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

45

وحين بين اختصاصه بكمال القدرة أراد أن يبين اختصاصه بعلم الغيب . قال في الكشاف : هذا على لغة بني تميم يرفعون المستثنى المنقطع على البدل إذا كان المبدل منه مرفوعاً يقولون : ما في الدار أحد إلا حمار كأن أحداً لم يذكر كقوله :

وبلدة ليس بها أنيس *** إلا اليعافير وإلا العيس

والمعنى إن كان الله ممن في السموات والأرض فهم يعلمون الغيب كما أن معنى البيت إن كانت اليعافير أنيساً ففيها أنيس بتاً للقول بخلوها عن الأنيس . قلت : لقائل أن يقول : إن استثناء نقيض المقدم غير منتج فلا يلزم من استحالة كون الله سبحانه في كل مكان ممن في السموات والأرض أنهم لا يعلمون الغيب ، ولا من امتناع كون اليعافير أنيساً القطع بخلوّ البلدة عن الأنيس . وقال غيره : إن الاستثناء متصل لأن الله سبحانه في كل مكان بالعلم فيصح الرفع عند الحجازيين أيضا . وزيفه في الكشاف بأن كونه في السموات والأرض بالعلم مجاز ، وكون الخلق فيهن حقيقة من حيث حصول ذواتهم في تلك الأحياز ، ولا يصح أن يريد المتكلم بلفظ واحد حقيقة ومجازاً معاً . وأجيب بأنا نحمل كون الخلق فيهن على المعنى المجازي أيضاً لأنهم أيضاً عالمون بتلك الأماكن لا أقل من العلم الإجمالي . وضعفه في الكشاف بأن فيه إيهام تسوية بين الله وبين العبد في العلم وهو خروج عن الأدب . ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم : " بئس خطيب القوم أنت " لمن قال : ومن يعصهما فقد غوى . والحق أن وقوع اللفظ على الواجب وعلى الممكن بمعنى واحد لا بد أن يكون بالتشكيك إذ هو في الواجب أدل وأولى لا محالة ، فهذا الوهم مدفوع عند العاقل ولا يلزم منه سوء الأدب ، ولهذا جاز إطلاق العالم والرحيم والكريم ونحوهما على الواجب وعلى الممكن معاً من غير محذور شرعي ولا عقلي ، وليس هذا كالجمع بين الضميرين إذا كان يمكن للقائل أن يفرق بينهما فيزداد الكلام جزالة وفخامة . عن عائشة : من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية والله تعالى يقول { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } وعن بعضهم : أخفى غيبه عن الخلق ولم يطلع عليه أحداً لئلا يأمن الخلق مكره . قال المفسرون : سأل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة فنزلت . وأيان بمعنى متى . إلا أنه لا يسأل به إلا عن أمر ذي بال وهو " فعال " من أن يئين فلو سمي به لانصرف ،

/خ66