أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ} (26)

{ ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة } كمثل شجرة خبيثة { اجتُثّت } استؤصلت وأخذت جئتها بالكلية . { من فوق الأرض } لأن عروقها قريبة منه . { ما لها من قرار } استقرار . واختلف في الكلمة والشجرة ففسرت الكلمة الطيبة : بكلمة التوحيد ودعوة الإسلام والقرآن ، والكلمة الخبيثة بالشرك بالله تعالى والدعاء إلى الكفر وتكذيب الحق ، ولعل المراد بهما ما يعم ذلك فالكلمة الطيبة ما أعرب عن حق أو دعا إلى صلاح ، والكلمة الخبيثة ما كان على خلاف ذلك وفسرت الشجرة الطيبة بالنخلة . وروي ذلك مرفوعا وبشجرة في الجنة ، والخبيثة بالحنظلة والكشوث ، ولعل المراد بهما أيضا ما يعم ذلك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ} (26)

وحكى الكسائي والفراء : أن في قراءة أبي بن كعب «وضرب الله مثلاً كلمة خبيثة »{[7069]} ، و «الكلمة الخبيثة » هي كلمة الكفر وما قاربها من كلام السوء في الظلم ونحوه . و { الشجرة الخبيثة } قال أكثر المفسرين هي شجرة الحنظل -قاله أنس بن مالك ورواه عن النبي عليه السلام{[7070]} ، وهذا عندي على جهة المثال . وقالت فرقة : هي الثوم ، وقال الزجاج : قيل هي الكشوت .

قال القاضي أبو محمد : وعلى هذه الأقوال من الاعتراض : أن هذه كلها من النجم{[7071]} وليست من الشجر ، والله تعالى إنما مثل بالشجرة فلا تسمى هذه إلا بتجوز ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثوم والبصل : من أكل من هذه الشجرة{[7072]} ، وأيضاً فإن هذه كلها ضعيفة وإن لم تجتث ، اللهم إلا أن تقول : اجتثت بالخلقة .

وقال ابن عباس : هذا مثل ضربه الله ولم يخلق هذه الشجرة على وجه الأرض .

والظاهر عندي أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة إذا وجدت فيها هذه الأوصاف . فالخبث هو أن تكون كالعضاة ، أو كشجر السموم أو نحوها . إذا اجتثت - أي اقتلعت ، حيث جثتها بنزع الأصول وبقيت في غاية الوهاء والضعف فتقلبها أقل ريح . فالكافر يرى أن بيده شيئاً وهو لا يستقر ولا يغني عنه ، كهذه الشجرة التي يظن بها على بعد أو للجهل بها أنها شيء نافع وهي خبيثة الجني غير باقية .


[7069]:نص عبارة الفراء كما هي في كتابه "معاني القرآن": "وهي في قراءة أبي: (وضرب مثلا كلمة خبيثة) كشجرة خبيثة، وكل صواب". أي بدون إضافة كلمة "مثل" إلى "الكلمة".
[7070]:راجع الحديث الذي روي عن أنس رضي الله عنه في أن المراد بالشجرة الطيبة النخلة، هامش رقم (1) ص (234).
[7071]:النجم من النبات: مالا ساق له، ويقال: ليس لهذا الشيء نجم، أي أصل.
[7072]:الذي رواه البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه هو: (من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته)، وهذا ما نقله السيوطي عنهما في "الجامع الصغير"، وقال: هو حديث صحيح، ولا يوجد في اللفظ الذي رواه كل منهما كلمة "شجرة"، ولعلها موجودة في رواية غيرهما.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ} (26)

جملة { اجتثت من فوق الأرض } صفة ل { شجرة خبيثة } لأن الناس لا يتركونها تلتف على الأشجار فتقتلها . والاجتثاث : قطع الشيء كلّه ، مشتق من الجُثة وهي الذات . و { من فوق الأرض } تصوير ل { اجتثت } . وهذا مقابل قوله في صفة الشجرة الطيبة { أصلها ثابت وفرعها في السماء .

وجملة { ما لها من قرار } تأكيد لمعنى الاجتثاث لأن الاجتثاث من انعدام القرار .

والأظهر أن المراد بالكلمة الطيّبة القرآن وإرشاده ، وبالكلمة الخبيثة تعاليم أهل الشرك وعقائدهم ، ف ( الكلمة ) في الموضعين مطلقة على القول والكلام ، كما دل عليه قوله : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } . والمقصود مَعَ التمثيل إظهارُ المقابلة بين الحالين إلا أن الغرض في هذا المقام بتمثيل كل حالة على حدة بخلاف ما يأتي عند قوله تعالى في سورة النحل { ضرب الله مثلا عبداً مملوكا إلى قوله ومن رزقناه منا رزقاً حسناً ، فانظر بيانه هنالك .

وجملة { ويضرب الله الأمثال للناس } معترضة بين الجملتين المتعاطفتين . والواو واو الاعتراض . ومعنى ( لعل ) رجاء تذكرهم ، أي تهيئة التذكر لهم ، وقد مضت نظائرها .