المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ} (26)

وحكى الكسائي والفراء : أن في قراءة أبي بن كعب «وضرب الله مثلاً كلمة خبيثة »{[7069]} ، و «الكلمة الخبيثة » هي كلمة الكفر وما قاربها من كلام السوء في الظلم ونحوه . و { الشجرة الخبيثة } قال أكثر المفسرين هي شجرة الحنظل -قاله أنس بن مالك ورواه عن النبي عليه السلام{[7070]} ، وهذا عندي على جهة المثال . وقالت فرقة : هي الثوم ، وقال الزجاج : قيل هي الكشوت .

قال القاضي أبو محمد : وعلى هذه الأقوال من الاعتراض : أن هذه كلها من النجم{[7071]} وليست من الشجر ، والله تعالى إنما مثل بالشجرة فلا تسمى هذه إلا بتجوز ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثوم والبصل : من أكل من هذه الشجرة{[7072]} ، وأيضاً فإن هذه كلها ضعيفة وإن لم تجتث ، اللهم إلا أن تقول : اجتثت بالخلقة .

وقال ابن عباس : هذا مثل ضربه الله ولم يخلق هذه الشجرة على وجه الأرض .

والظاهر عندي أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة إذا وجدت فيها هذه الأوصاف . فالخبث هو أن تكون كالعضاة ، أو كشجر السموم أو نحوها . إذا اجتثت - أي اقتلعت ، حيث جثتها بنزع الأصول وبقيت في غاية الوهاء والضعف فتقلبها أقل ريح . فالكافر يرى أن بيده شيئاً وهو لا يستقر ولا يغني عنه ، كهذه الشجرة التي يظن بها على بعد أو للجهل بها أنها شيء نافع وهي خبيثة الجني غير باقية .


[7069]:نص عبارة الفراء كما هي في كتابه "معاني القرآن": "وهي في قراءة أبي: (وضرب مثلا كلمة خبيثة) كشجرة خبيثة، وكل صواب". أي بدون إضافة كلمة "مثل" إلى "الكلمة".
[7070]:راجع الحديث الذي روي عن أنس رضي الله عنه في أن المراد بالشجرة الطيبة النخلة، هامش رقم (1) ص (234).
[7071]:النجم من النبات: مالا ساق له، ويقال: ليس لهذا الشيء نجم، أي أصل.
[7072]:الذي رواه البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه هو: (من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته)، وهذا ما نقله السيوطي عنهما في "الجامع الصغير"، وقال: هو حديث صحيح، ولا يوجد في اللفظ الذي رواه كل منهما كلمة "شجرة"، ولعلها موجودة في رواية غيرهما.