البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ} (26)

اجتث الشيء اقتلعه ، وجث الشيء قلعه ، والجثة شخص الإنسان قاعداً وقائماً .

وقال لقيط الأياري :

هو الجلاء الذي يجتث أصلكم ***فمن رأى مثل ذا آت ومن سمعا

والكلمة الخبيثة هي كلمة الكفر على قول الجمهور .

وقال مسروق : الكذب ، وقال : إن تجر دعوة الكفر وما يعزى إليه الكافر .

وقيل : كل كلام لا يرضاه الله تعالى .

وقرأ أبي : وضرب الله مثلاً كلمة خبيثة ، وقرئ : ومثل كلمة بنصب مثل عطفاً على كلمة طيبة .

والشجرة الخبيثة شجرة الحنظل قاله الأكثرون : ابن عباس ، ومجاهد ، وأنس بن مالك ، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الزجاج وفرقة : شجرة الثوم .

وقيل : شجرة الكشوت ، وهي شجرة لا ورق لها ولا أصل قال : وهي كشوت فلا أصل ولا ثمر .

وقال ابن عطية : ويرد على هذه الأقوال أن هذه كلها من النجم وليست من الشجر ، والله تعالى إنما مثل بالشجر فلا تسمى هذه شجرة إلا بتجوّز ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثوم والبصل «من أكل من هذه الشجرة » وقيل : الطحلبة .

وقيل : الكمأة .

وقيل : كل شجر لا يطيب له ثمر .

وعن ابن عباس : هي الكافر ، وعنه أيضاً : شجرة لم تخلق على الأرض .

وقال ابن عطية : والظاهر عندي أنّ التشبيه وقع بشجرة غير معينة ، إذا وجدت منها هذه الأوصاف هو أن يكون كالعضاة أو شجرة السموم ونحوها إذا اجتثت أي : اقتلعت جثها بنزع الأصول وبقيت في غاية الوهي والضعف ، فتقلبها أقل ريح .

فالكافر يرى أنّ بيده شيئاً وهو لا يستقر ولا يغني عنه كهذه الشجرة التي يظن بها على بعد الجاهل أنها شيء نافع ، وهي خبيثة الجني غير نافعة انتهى .

واجتثت من فوق الأرض مقابل لقوله : أصلها ثابت أي : لم يتمكن لها أصل ولا عرق في الأرض ، وإنما هي نابتة على وجه الأرض .

ما لها من قرار أي : استقرار .

يقال : أقر الشيء قراراً ثبت ثباتاً ، شبه بهذه الشجرة القول الذي لم يعضد بحجة ، فهو لا يثبت بل يضمحل عن قريب لبطلانه ،