يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم بترك المعاصي وفعل الطاعات وأهليكم بالنصح والتأديب وقرئ وأهلوكم عطف على واو قوا فيكون أنفسكم أنفس القبيلين على تغليب المخاطبين نارا وقودها الناس والحجارة نارا تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب عليها ملائكة تلي أمرها وهم الزبانية غلاظ شداد غلاظ الأقوال شداد الأفعال أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة لا يعصون الله ما أمرهم فيما مضى ويفعلون ما يؤمرون فيما يستقبل أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به .
قوله تعالى : { قوا أنفسكم وأهليكم } معناه : اجعلوا وقاية بينكم وبين النار ، وقد تقدم غير مرة تعليل اللفظة ، وقوله تعالى : { وأهليكم } معناه : بالوصية لهم والتقويم والحمد على طاعة الله تعالى ، وفي حديث : «لا تزن فيزني أهلك » ، وفي حديث آخر : «رحم الله رجلاً قال : يا أهلاه ، صلاتكم ، صيامكم ، مسكينكم ، يتيمكم »{[11193]} ، وقرأ الجمهور : «وقَودها » بفتح الواو ، وقرأ مجاهد والحسن وطلحة وعيسى والفياض بن غزوان وأبو حيوة بضمها ، وقيل هما بمعنى ، وقيل الضم مصدر والفتح اسم ، ويروى أن { الحجارة } : هي حجارة الكبريت ، وقد تقدم القول في ذلك في سورة البقرة . ويروى أنها جميع أنواع الحجارة ، وفي بعض الحديث أن عيسى ابن مريم سمع أنيناً في فلاة من الأرض فتبعه حتى بلغ إلى حجر يئن ويحزن ، فقال له : ما بالك أيها الحجر ؟ فقال : يا روح الله ، إني سمعت الله يقول : { وقودها الناس والحجارة } ، فخفت أن أكون من تلك الحجارة ، فعجب منه عيسى وانصرف ، ويشبه أن يكون هذا المعنى في التوراة أو في الإنجيل ، فذلك الذي سمع الحجر إذا عبر عنه بالعربية كان هذا اللفظ ، ووصف الملائكة بالغلظة معناه في القلوب والبطش الشديد والفظاظة ، كما قال تعالى لنبيه : { ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }{[11194]} [ آل عمران : 159 ] والشدة القوة ، وقيل المراد شدتهم على الكفار ، فهي بمعنى الغلظ ، ووصفهم تعالى بالطواعية لربهم ، وكرر المعنى تأكيداً بقوله تعالى : { ويفعلون ما يؤمرون } ، وفي قوله تعالى : { ويفعلون ما يؤمرون } ما يقتضي أنهم يدخلون الكفار النار بجد واختيار ، ويغلظون عليهم ، فكأنه قال بعد تقرير هذا المعنى ، فيقال للكفار : { لا تعتذروا اليوم }
كانت موعظة نساء النبي صلى الله عليه وسلم مناسبة لتنبيه المؤمنين لعدم الغفلة عن موعظة أنفسهم وموعظة أهليهم وأن لا يصدّهم استبقاء الودّ بينهم عن إسداء النصح لهم وإن كان في ذلك بعض الأذى .
وهذا نداء ثان موجه إلى المؤمنين بعد استيفاء المقصود من النداء الأول نداءِ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } [ التحريم : 1 ] .
وجه الخطاب إلى المؤمنين ليأتنسوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أهليهم .
وعبر عن الموعظة والتحذير بالوقاية من النار على سبيل المجاز لأن الموعظة سبب في تجنب ما يفضي إلى عذاب النار أو على سبيل الاستعارة بتشبيه الموعظة بالوقاية من النار على وجه المبالغة في الموعظة .
وتنكير « نار » للتعظيم وأجرى عليها وصف بجملة { وقودها الناس والحجارة } زيادة في التحذير لئلا يكونوا من وقود النار . وتذكيراً بحال المشركين الذي في قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } في سورة [ الأنبياء : 98 ] . وتفظيعاً للنار إذ يكون الحجر عِوضاً لها عن الحَطب .
ووصفت النار بهذه الجملة لأن مضمون هذه الجملة قد تقرر في علم المسلمين من قبل نزول هذه الآية بما تقدم في سورة [ البقرة : 24 ] من قوله تعالى : { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } وبما تقدمهما معاً من قوله : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } في سورة [ الأنبياء : 98 ] .
و{ الحجارة } : جمع الحجر على غير قياس فإن قياسه أحجار فجمعوه على حِجارٍ بوزن فِعال وألحقوا به هاء التأنيث كما قالوا : بِكارة جمع بَكر ، ومِهارة جمع مُهْر .
وزيد في تهويل النار بأنَّ عليها ملائكة غلاظاً شداداً وجملة { عليها ملائكة } إلى آخرها صفة ثانية .
ومعنى { عليها } أنهم موكلون بها . فالاستعلاء المفاد من حرف ( على ) مستعار للتمكن كما تقدم في قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] . وفي الحديث " فلم يكن على بابه بوّابون "
و { غلاظ } جمع غليظ وهو المتصف بالغلظة . وهي صفة مشبهة وفعلها مِثل كَرُم . وهي هنا مستعارة لقساوة المعاملة كقوله تعالى : { ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } [ آل عمران : 159 ] أي لو كنت قاسياً لما عاشروك .
و« شداد » : جمع شديد . والشدة بكسر الشين حقيقتها قوة العمل المؤذي والموصوف بها شديد . والمعنى : أنهم أقوياء في معاملة أهل النار الذين وكلوا بهم : يقال : اشتدّ فلان على فلان ، أي أساء معاملته ، ويقال : اشتدّت الحرب ، واشتدت البأساء . والشدة من أسماء البؤس والجوع والقحط .
وجملة { لا يعصون الله ما أمرهم } ثناء عليهم أعقب به وصفهم بأنهم غلاظ شداد تعديلاً لما تقتضيانه من كراهية نفوس الناس إياهم ، وهذا مؤذن بأنهم مأمورون بالغلظة والشدة في تعذيب أهل النار .
وأما قوله : { ويفعلون ما يؤمرون } فهو تصريح بمفهوم { لا يعصون الله ما أمرهم } دعا إليه مقام الإِطناب في الثناء عليهم ، مع ما في هذا التصريح من استحضار الصورة البديعة في امتثالهم لما يؤمرون به . وقد عُطف هذا التأكيد عطفاً يقتضي المغايرة تنويهاً بهذه الفضيلة لأن فعل المأمور أوضح في الطاعة من عدم العصيان واعتبار لمغايرة المعنيين وإن كان قالهما واحد ولك أن تجعل مرجع { لا يعصون الله ما أمرهم } أنهم لا يعصون فيما يكلفون به من أعمالهم الخاصة بهم ، ومرجع { ويفعلون ما يؤمرون } إلى ما كلفوا بعمله في العصاة في جهنم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.