أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

لا يمسه إلا المطهرون لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية وهم الملائكة أو لا يمس القرآن إلا المطهرون من الأحداث فيكون نفيا بمعنى النهي أو لا يطلبه إلا المطهرون من الكفر وقرئ المتطهرون والمطهرون من أطهره بمعنى طهره والمطهرون أي أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم والإلهام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

واختلف الناس في معنى قوله : { لا يمسه إلا المطهرون } وفي حكمه فقال من قال : إن الكتاب المكنون هو الذي في السماء . { المطهرون } هنا الملائكة قال قتادة : فأما عندكم فيمسه المشرك المنجس والمنافق قال الطبري : { المطهرون } : الملائكة والأنبياء ومن لا ذنب له ، ولي في الآية على هذا القول حكم مس المصحف لسائر بني آدم ، ومن قال بأنها مصاحف المسلمين ، قال إن قوله : { لا يمسه } إخبار مضمنه النهي ، وضمة السين على هذا ضمة إعراب ، وقال بعض هذه الفرقة : بل الكلام نهي ، وضمة السين ضمة بناء ، قال جميعهم : فلا يمس المصحف من جميع بني آدم إلا الطاهر من الكفر والجنابة والحدث الأصغر . قال مالك : لا يحمله غير طاهر بعلاقته ولا على وسادة . وفي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : «ولا يمس المصحف إلا طاهر »{[10935]} ، وقد رخص أبو حنيفة وقوم بأن يمسه الجنب والحائض على حائل غلاف ونحوه ، ورخص بعض العلماء في مسه بالحدث الأصغر ، وفي قراءته عن ظهر قلب ، منهم ابن عباس وعامر الشعبي ، ولا سيما للمعلم والصبيان ، وقد رخص بعضهم للجنب في قراءته ، وهذا الترخيص كله مبني على القول الذي ذكرناه من أن المطهرين هم الملائكة أو على مراعاة لفظ اللمس فقد قال سليمان : لا أمس المصحف ولكن أقرأ القرآن .

وقرأ جمهور الناس : «المطَهّرون » بفتح الطاء والهاء المشددة . وقرأ نافع وابو عمرو بخلاف عنهما «المطْهَرون » بسكون الطاء وفتح الهاء خفيفة ، وهي قراءة عيسى الثقفي . وقرأ سلمان الفارسي : «المطَهِّرون » بفتح الطاء خفيفة وكسر الهاء وشدها على معنى الذين يطهرون أنفسهم ، ورويت عنه بشد الطاء والهاء . وقرأ الحسن وعبد الله بن عون وسلمان الفارسي بخلاف عنه : المطّهرون بشد الطاء بمعنى المتطهرون .

قال القاضي أبو محمد : والقول بأن { لا يمسه } نهي قول فيه ضعف وذلك أنه إذا كان خبراً فهو في موضع الصفة .


[10935]:أخرجه عبد الرزاق، وابن أبي داود، وابن المنذر، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، قال: في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم:(ولا تمس القرآن إلا على طهور).(الدر المنثور).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لا يمسه إلا المطهرون} لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب، وهم الملائكة السفرة.

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

{لا يمسه إلا المطهرون}...قال مالك: أحسن ما سمعت في هذه الآية: {لا يمسه إلا المطهرون} أنها هي بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولى، قول الله تبارك وتعالى: {كلا إنها تذكرة* فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة* مرفوعة مطهرة* بأيدي سفرة* كرام بررة}. قال مالك: ولا يحمل أحد المصحف بعلاقته، ولا على وسادة إلا وهو طاهر، ولو جاز ذلك لحمل في خبيئته ولم يكره ذلك. لأن يكون في يدي الذي يحمله شيء يدنس به المصحف. ولكن إنما كره ذلك، لمن يحمله وهو غير طاهر، إكراما للقرآن وتعظيما له...

عن مالك...

أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم، أن لا يمس القرآن إلا طاهر.

تفسير الشافعي 204 هـ :

{لا يَمَسُّهُ إِلا اَلْمُطَهَّرُونَ}...فاختلف فيها أهل التفسير. فقال بعضهم: فرض لا يمسه إلا مطهر، يعني: متطهر تجوز له الصلاة؛ وهذا المعنى تحتمله الآية، وذكر ما يشهد له من السنة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ "يقول تعالى ذكره: لا يمسّ ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهّرهم الله من الذنوب. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: "إلاّ المُطَهّرُونَ"؛ فقال بعضهم: هم الملائكة...

وقال آخرون في ذلك: هم الذين قد طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل...

وقال آخرون: عنى بذلك: أنه لا يمسه عند الله إلا المطهرون... عن قتادة، قوله: "لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ" ذاكم عند ربّ العالمين، فأما عندكم فيمسه المشرك النجس، والمنافق الرّجِس...

والصواب من القول من ذلك عندنا، أن الله جلّ ثناؤه، أخبر أن لا يمسّ الكتاب المكنون إلا المطهرون فعمّ بخبره المطهرين، ولم يخصص بعضا دون بعض فالملائكة من المطهرين، والرسل والأنبياء من المطهرين وكل من كان مطهرا من الذنوب، فهو ممن استثني، وعني بقوله "إلاّ المُطَهّرُونَ"..

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

... كان ابن عباس ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن...لا يجد طعمه ونفعه إلاّ من آمن به...

لا يعرف تفسيره وتأويله إلاّ من طهّره الله من الشرك والنفاق...

لا يوفق للعمل به إلاّ السعداء...لا يفهم حقائق القرآن إلاّ من طهر سرّه عند الأنوار من الأقذار...هم الذين طهر سرّهم عما سوى الله.

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

{لا يمسه إلا المطهرون} كما أن ظاهر جلد المصحف وورقه محروس من ظاهر بشرة الملامس إلا إذا كان متطهرا، فباطن معناه أيضا بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب إلا إذا كان متطهرا من كل رجس ومستنيرا بنور التعظيم والتوقير، وكما لا يصلح لمس جلد المصحف كل يد، فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان، ولا لنيل معانيه كل قلب. (الإحياء: 1/332).

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والمطهرون بمعنى: يطهرون أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم والوحي الذي ينزلونه.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

هَلْ قَوْلُهُ: {لَا يَمَسُّهُ} نَهْيٌ أَوْ نَفْيٌ؟

فَقِيلَ: لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ. وَقِيلَ: هُوَ نَفْيٌ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَؤُهَا: مَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ، لِتَحْقِيقِ النَّفْيِ...

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّوَضُّؤِ [بِالْقُرْآنِ] إذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَمَسَّ صُحُفَهُ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَحَقَّقْنَا أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ الشَّرْعِ، أَيْ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ شَرْعًا، فَإِنْ وُجِدَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ الشَّرْعِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ مَعْنَاهُ لَا يَجِدُ طَعْمَهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ من الذُّنُوبِ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ فَهُوَ صَحِيحٌ، اخْتَارَهُ الْبُخَارِيُّ؛ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِسْلَامِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَبِيًّا»؛ لَكِنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ لِغَيْرِ ضَرُورَةِ عَقْلٍ وَلَا دَلِيلِ سَمْعٍ.

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

{لا يمسه إلا المطهرون} وهم الملائكة، ولو أراد المؤمنين المتوضئين لقال: لا يمسه إلا المتطهرون، كما قال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222] فالملائكة مطهرون، والمؤمنون المتوضئون متطهرون.ومنها: أن هذا إخبار ولو كان نهيا لقال: لا يمسسه بالجزم والأصل في الخبر: أن يكون خبرا صورة ومعنى. ومنها: أن هذا رد على من قال: إن الشيطان جاء بهذا القرآن، فأخبر تعالى أنه {في كتاب مكنون} لا تناله الشياطين،ومنها: أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس به: {فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة} [عبس: 12. 16]. ومنها: أن الآية مكية، من سورة مكية، تتضمن تقرير التوحيد، والنبوة والمعاد، وإثبات الصانع، والرد على الكفار، وهذا المعني أليق بالمقصود من فرع عملي، وهو حكم مس المحدث المصحف. ومنها: أنه لو أريد به الكتاب الذي بأيدي الناس لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة، إذ من المعلوم أن كل كلام فهو قابل لأن يكون في كتاب، حقا أو باطلا، بخلاف ما إذا وقع القسم على أنه في كتاب مصون مستور عن العيون عند الله، لا يصل إليه شيطان، ولا ينال منه ولا يمسه إلا الأرواح الطاهرة الزكية. فهذا المعنى أليق وأجل وأخلق بالآية وأولى بلا شك. فسمعت شيخ الإسلام، ابن تيمية قدس الله روحه يقول: لكن تدل الآية بإشارتها على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر. لأنه إذا كانت تلك الصحف لا يمسها إلا المطهرون لكرامتها على الله. فهذه الصحف أولى أن لا يمسها إلا طاهر.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وروى أبو داود في المراسيل، من حديث الزهري قال: قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يمس القرآن إلا طاهر". وهذه وِجَادةٌ جيدة. قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي الأخذ به. وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم، وعبد الله بن عمر، وعثمان بن أبي العاص، وفي إسناد كل منها نظر، والله أعلم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(لا يمسه إلا المطهرون).. فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به. فهذا نفي لهذا الزعم. فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم الله وحفظه. إنما تنزل به الملائكة المطهرون.. وهذا الوجه هو أظهر الوجوه في معنى (لا يمسه إلا المطهرون). ف (لا) هنا نافية لوقوع الفعل. وليست ناهية. وفي الأرض يمس هذا القرآن الطاهر والنجس. والمؤمن والكافر، فلا يتحقق النفي على هذا الوجه. إنما يتحقق بصرف المعنى إلى تلك الملابسة. ملابسة قولهم: تنزلت به الشياطين. ونفي هذا الزعم إذ لا يمسه في كتابه السماوي المكنون إلا المطهرون..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وجملة {لا يمسه إلا المطهرون} صفة ثانية ل {كتاب}.

و {المطهّرون}: الملائكة، والمراد الطهارة النفسانية وهي الزكاء. وهذا قول جمهور المفسرين وفي « الموطأ» قال مالك: أحسن ما سمعت في هذه الآية {لا يمسه إلا المطهرون} أنها بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولى (11- 16) قول الله تبارك وتعالى: {لكلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة اهـ. {يريد أن المطهرون} هم السفرة الكرام البررة وليسوا الناس الذين يتطهرون.

ومعنى المسّ: الأخذ... فالمعنى: أن الكتاب لا يباشر نقل ما يحتوي عليه لتبليغه إلا الملائكة.

والمقصود من هذا أن القرآن ليس كما يزعم المشركون قول كاهن فإنهم يزعمون أن الكاهن يتلقى من الجن والشياطين ما يسترِقونه من أخبار السماء بزعمهم، ولا هو قول شاعر إذ كانوا يزعمون أن لكل شاعر شيطاناً يملي عليه الشعر، ولا هو أساطير الأولين، لأنهم يعنون بها الحكايات المكذوبة التي يَتلهى بها أهلُ الأسمار، فقال الله: إن هذا القرآن مطابق لما عند الله الذي لا يشاهده إلا الملائكة المطهرون.