الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

{ لاَّ يَمَسُّهُ } أي ذلك الكتاب { إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } من الذنوب وهم الملائكة .

أخبرنا عبد الله بن حامد ، أنبأنا ابن الشرقي ، حدّثنا محمد بن الحسين بن طرحان ، حدّثنا سعيد بن منصور ، حدّثنا أبو الأحوص عن عاصم الأحول عن أنس في قوله عزّوجل { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } قال : الملائكة .

وأخبرنا أبو بكر بن عبدوس ، أنبأنا أبو الحسن بن محفوظ ، حدّثنا عبدالله بن هاشم ، حدّثنا عبدالرحمن عن سفيان عن الربيع عن سعيد بن جبير { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } قال : الملائكة الذين في السماء .

وقال أبو العالية وابن زيد : ليس أنتم أصحاب الذنوب إنما هم الذين طهروا من الذنوب كالرسل من الملائكة والرسل من بني آدم ، فجبرئيل الذي ينزل به مطهّر والرسل الذين يجيئهم به مطهّرون .

وقال ابن عباس : من الشرك . عكرمة : هم حملة التوراة والإنجيل .

قتادة : { لاَّ يَمَسُّهُ } عند الله { إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } فأما في الدنيا فيمسّه الكافر النجس والمنافق الرجس .

حبان عن الكلبي : هم السفرة الكرام البررة . محمد بن فضيل عنه لا يقرؤه إلاّ الموحدون .

قال عكرمة : وكان ابن عباس ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن .

الفراء : لا يجد طعمه ونفعه إلاّ من آمن به .

الحسين بن الفضل : لا يعرف تفسيره وتأويله إلاّ من طهّره الله من الشرك والنفاق .

أبو بكر الوراق : لا يوفق للعمل به إلاّ السعداء .

أبو العباس بن عطاء : لا يفهم حقائق القرآن إلاّ من طهر سرّه عند الأنوار من الأقذار .

جنيد : هم الذين طهر سرّهم عما سوى الله .

وقال قوم : معناه { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } من الأحداث والجنابات والنجاسات ، وردّوا الكناية في قوله { لاَّ يَمَسُّهُ } إلى القرآن .

وقالوا : أراد بالقرآن المصحف ، سماه قرآناً على قرب الجوار والإتساع ، كالخبر الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو .

قالوا : وظاهر الآية نفي ومعناها نهي كقوله عزّ وجل :

{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } [ البقرة : 228 ] ونحوها واستدلوا بهذه الآية على منع الجنب والحائض والمحدث من مس المصحف وحمله ، وقالوا : لا يجوز لأحد حمل المصحف ولا مسّه حتى يكون على صفة يجوز له الصلاة . قال : هذا مذهب جمهور الفقهاء إلاّ إن أبا حنيفة لا يمنع من حمله بعلاّقة ومسّه بحائل . والاختيار أنه ممنوع منه ، لأنه إذا حمله في جلده فإنما حمله بحائل ومع هذا يُمنع منه .

وذهب الحكم وحماد وداود بن علي إلى أنه لا بأس بحمل المصحف ومسّه على أي صفة كانت سواء كان طاهراً أو غير طاهر ، مؤمناً أو كافراً . إلاّ أن داود قال : لا يجوز للمشرك حمل المصحف .

والدليل على أنه لا يحمل المصحف ولا يمسّه إلاّ طاهراً ما روى أبو بكر محمد بن عمرو ابن جرم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن كتب في كتابه ألاّ يحمل المصحف ولا يمسّه إلاّ طاهرٌ .

وروى سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تمس القرآن إلاّ وأنت طاهر " .

ولأن به إجماع الصحابة .

وروي أن علياً سُئل : أيمس المحدث المصحف ؟ قال : " لا " .

وروي أن مصعب بن سعد بن أبي وقاص كان يقرأ من المصحف فأدخل يده فحك ذكره فأخذ أبوه المصحف من يده . وقال : قم فتوضأ ثم خذه ، ولا مخالف لهما في الصحابة .

وقال عطاء { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } قال : لا يقلب الورق من المصحف إلاّ المتوضىء . واستدل المبيحون بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر وفيه { بسم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ يأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } الآية .

وأجاز الفقهاء ذلك إذا دعته ضرورة أو حمله عذر عليه ، وأما الصبيان فلأصحابنا فيه وجهان :

أحدهما : أنهم يمنعون منه كالبالغين .

والثاني : أنهم لا يُمنعون ، لمعنيين : أحدهما : أن الصبي لو منع ذلك أدّى إلى ألاّ يتلقن القرآن ولا يتعلمه ولا يحفظه ، لأن وقت تعلمه وحفظه حال الصغر .

والثاني : أن الصبي وإن كانت له طهارة فليست بكاملة لأن النية لا تصحّ منه ، فإذا جاز أن يحمله على طهر غير كامل جاز أن يحمله محدثاً والله أعلم .