فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

{ لا يمسه إلا المطهرون } من جميع الأدناس ، قال المحلي خبر بمعنى النهي أي لا يمسوه ، أي : يحرم عليهم مسه بدون الطهارة ولم يبق صريحا على خبريته لئلا يلزم الخلف في خبره تعالى ، لأنه كثير ما يمس بدون طهارة ، والخلف في خبره تعالى محال ، وقيل إن لا ناهية والفعل بعدها مجزوم لأنه لو فك عن الإدغام لظهر ذلك فيه كقوله تعالى { لم يمسسهم سوء } ولكنه أدغم ولما أدغم حرك آخره بالضم لأجل هاء ضمير المذكر الغائب ، وضعف ابن عطية النهي ، قال الواحدي : أكثر المفسرين على أن الضمير عائد إلى الكتاب المكنون ، أي لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون وهم الملائكة ، وقيل هم الملائكة والرسل من بني آدم ، والمعنى لا يمسه المس الحقيقي ، وقيل : المعنى لا ينزل به إلا المطهرون .

وعلى كون المراد بالكتاب المكنون هو القرآن ، فقيل : لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والأنجاس ، كذا قال قتادة وغيره .

وقال الكلبي : المطهرون من الشرك ، وقال الربيع بن أنس : المطهرون من الذنوب والخطايا ، وقال محمد بن الفضل وغيره : المعنى لا يقرأه إلا الموحدون وقال الفراء : لا يجد نفعه وبركته إلا المؤمنون ، وقال الحسين بن الفضل : لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق ، وقد ذهب الجمهور إلى منع المحدث من مس المصحف ، وبه قال علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد ، وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي ، وروي عن ابن عباس والشعبي وجماعة منهم أبو حنيفة أنه يجوز للمحدث مسه ، وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في هذا في شرحه للمنتقي فليرجع إليه قرأ الجمهور المطهرون اسم مفعول من التطهير ، وقرئ بكسر الهاء على أنه اسم فاعل أي المطهرون أنفسهم وقرئ على أنه اسم مفعول من أطهر ، وقرئ بتشديد الطاء وكسر الهاء أصله المتطهرون ، قال ابن عباس في الآية الكتاب المنزل من السماء لا يمسه إلا الملائكة .

وعن أنس قال : المطهرون الملائكة .

وعن " علقمة قال : أتينا سلمان الفارسي فخرج علينا من كنيف فقلنا له : لو توضأت يا أبا عبد الله ثن قرأت علينا سورة كذا وكذا قال : إنما قال الله { في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون } وهو الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة ، ثم قرأ علينا من القرآن ما شئنا " ، أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر .

" وعن عبد الله ابن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه قال : في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : لا يمس القرآن إلا على طهر " أخرجه مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر . وأخرجه أبو داود في المراسيل .

من حديث الزهري قال : قرأت في صحيفة عبد الله المذكور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ولا يمس القرآن إلا طاهر " ، وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم وغيره ، وفي أسانيده نظر ، وعن ابن عمر أنه كان لا يمس المصحف إلا متوضئا و " عن عبد الرحمن بن زيد قال : كنا مع سلمان فانطلق إلى حاجته فتوارى عنا ثم خرج علينا فقلنا : لو توضأت فسألناك عن أشياء من القرآن ؟ فقال سلوني فإني لست أمسه إنما يمسه المطهرون ، ثم تلا هذه الآية " أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف ، وابن المنذر وغيرهم .

و " عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمس القرآن إلا طاهر " ، أخرجه الطبراني وابن مردويه .

و " عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن كتب له في عهده أن لا يمس القرآن إلا طاهر " ، أخرجه ابن مردويه .