النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

{ لا يَمَسَّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ } تأويله يختلف بإختلاف الكتاب ، فإن قيل : إنه كتاب في السماء ففي تأويله قولان :

أحدهما : لا يمسه في السماء إلا الملائكة المطهرون ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير .

الثاني : لا ينزله إلا الرسل من الملائكة إلى الرسل من الأنبياء ، قاله زيد بن أسلم .

وإن قيل إنه المصحف الذي في أيدينا ففي تأويله ستة أقاويل :

أحدها : لا يمسه بيده إلا المطهرون من الشرك ، قاله الكلبي .

الثاني : إلا المطهرون من الذنوب والخطايا ، قاله الربيع بن أنس .

الثالث : إلا المطهرون من الأحداث{[2896]}والأنجاس ، قاله قتادة .

الرابع : لا يجد طعم نفعه{[2897]} إلا المطهرون أي المؤمنون بالقرآن ، حكاه الفراء .

الخامس : لا يمس ثوابه إلا المؤمنون ، رواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم .

السادس : لا يلتمسه إلا المؤمنون ، قاله ابن بحر .

{ أفبهذا الحديث أنتم مدهنون } يعني بهذا الحديث القرآن الذي لا يمسه إلا المطهرون .

وفي قوله مدهنون أربعة تأويلات : ( أحدها ) مكذبون ، قاله ابن عباس ( الثاني ) معرضون ، قاله الضحاك . ( الثالث ) ممائلون{[2898]} الكفار على الكفر به ، قاله مجاهد . ( الرابع ) منافقون في التصديق به حكاه ابن عيسى ، ومنه قول الشاعر :

لبعض الغشم{[2899]} أبلغ في أمور تنوبك من مداهنة العدو

{ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه الاستسقاء بالأنواء وهو قول العرب مطرنا بنوء كذا ، قاله ابن عباس ورواه علي بن طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم .

الثاني : الاكتساب بالسحر ، قاله عكرمة .

الثالث : هو أن يجعلوا شكر الله على ما رزقهم تكذيب رسله والكفر به ، فيكون الرزق الشكر ، وقد روى عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : وتجلعون شكركم أنكم تكذبون .

ويحتمل ( رابعا ) أنه ما يأخذه الأتباع من الرؤساء على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم والصد عنه .


[2896]:جمع حدث، وهما حدثان الأصغر ويكون بعدم الوضوء. والأكبر ويكون بالجنابة أو الحيض أو النفاس. وقد قال أكثر الفقهاء لا مس القرآن إلا طاهر منهما.
[2897]:وكأن المعنى لا يلمس نفعه إلا هؤلاء لأن إيمانهم يجعل القرآن يمس نفوسهم ويؤثر فيها .
[2898]:وعلى هذا التأويل يكون مدهنون من المداهنة وهي الممالاة
[2899]:الغشم: الظلم والغصب.