أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (6)

{ وكذلك } أي وكما اجتباك لمثل لهذه الرؤيا الدالة على شرف وعز وكمال نفس . { يجتبيك ربك } للنبوة والملك أو لأمور عظام ، والاجتباء من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك . { ويعلّمك } كلام مبتدأ خارج عن التشبيه كأنه قيل وهو يعلمك . { من تأويل الأحاديث } من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة ، وأحاديث النفس أو الشيطان إن كانت كاذبة . أو من تأويل غوامض كتب الله تعالى وسنن الأنبياء وكلمات الحكماء ، وهو اسم جمع للحديث كأباطيل اسم جمع للباطل . { ويُتمّ نعمته عليك } بالنبوة أو بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة . { وعلى آل يعقوب } يريد به سائر بنيه ، ولعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب أو نسله . { كما أتمّها على أبويك } بالرسالة وقيل على إبراهيم بالخلة والإنجاء من النار وعلى إسحاق بإنقاذه من الذبح وفدائه بذبح عظيم . { من قبل } أي من قبلك أو من قبل هذا الوقت . إ{ براهيم وإسحاق } عطف بيان لأبويك . { إن ربك عليم } بمن يستحق الاجتباء . { حكيم } يفعل الأشياء على ما ينبغي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (6)

وقوله : { وكذلك يجتبيك } الآية ، ف { يجتبيك } معناه : يختارك ويصطفيك ، ومنه : جبيت الماء في الحوض ، ومنه : جباية المال ، وقوله : { ويعلمك من تأويل الأحاديث }{[6563]} قال مجاهد والسدي : هي عبارة الرؤيا . وقال الحسن : هي عواقب الأمور . وقيل : هي عامة لذلك وغيره من المغيبات . وقوله : { ويتم نعمته } يريد النبوءة وما انضاف إليها من سائر النعم . وقوله : { آل يعقوب } يريد في هذا الموضع الأولاد والقرابة التي هي من نسله ، أي يجعل فيهم النبوءة ، ويروى أن ذلك إنما علمه يعقوب من دعوة إسحاق له حين تشبه له بعيصو - والقصة كاملة في كتاب النقاش لكني اختصرتها لأنه لم ينبل ألفاظها{[6564]} وما أظنه انتزعها إلا من كتب بني إسرائيل ، فإنها قصة مشهورة عندهم ، وباقي هذه الآية بيّن . و «النعمة » على يوسف كانت تخليصه من السجن وعصمته والملك الذي نال ؛ وعلى { إبراهيم } هي اتخاذه خليلاً ؛ وعلى { إسحاق } فديته بالذبح العظيم{[6565]} ، مضافاً ذلك كله إلى النبوءة . و { عليم حكيم } مناسبتان لهذا الوعد .


[6563]:يرى الزمخشري أن الأحاديث اسم جمع للحديث وليس بجمع أحدوثة، وعارضه أبو حيان فقال: وليس باسم جمع كما ذكر، بل هو جمع تكسير لحديث على غير قياس، كما قالوا: أباطل وأباطيل، ولم يـأت اسم جمع على هذا الوزن، وإذا كانوا يقولون في (عباديد) و (يناذير) إنهما جمعا تكسير ولم يلفظ لهما بمفرد فكيف لا يكون (أحاديث) و (أباطيل) جمعي تكسير؟. (البحر المحيط 5-281).
[6564]:لم يحسن اختيار الألفاظ ولم يحكمها، يقال: هو ينبل هذا الأمر بمعنى: يحكم معرفته، وهو ينبل الرسم أو التمثيل بمعنى يحسنه ويجيد القيام به، وأتاه أمر لم ينبل نبله بمعنى: لم يتخذ له عدته. (المعجم الوسيط).
[6565]:الثابت أن الذبيح هو إسماعيل، ونسبة الذبح وقصته إلى إسحق فرية يروج لها اليهود.