{ الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن } قد سبق الكلام فيه ، ولعل ذكره زيادة تقرير لكونه حقيقا بأن يتوكل عليه من حيث إنه الخالق للكل والمتصرف فيه ، وتحريض على الثبات والتأني في الأمر فإنه تعالى مع كمال قدرته وسرعة نفاذ أمره في كل مراد خلق الأشياء على تؤدة وتدرج ، و{ الرحمن } خبر للذي إن جعلته مبتدأ ولمحذوف إن جعلته صفة للحي ، أو بدل من المستكن في { استوى } وقرىء بالجر صفة للحي . { فسئل به خبيرا } فاسأل عما ذكر من الخلق والاستواء عالما يخبرك بحقيقته وهو الله تعالى ، أو جبريل أو من وجده في الكتب المتقدمة ليصدقك فيه ، وقيل الضمير { للرحمن } والمعنى إن أنكروا إطلاقه على الله تعالى فاسأل عنه من يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا مجيء ما يرادفه في كتبهم ، وعلى هذا يجوز أن يكون { الرحمن } مبتدأ والخبر ما بعده والسؤال كما يعدى بعن لتضمنه معنى التفتيش يعدى بالياء لتضمنه معنى الاعتناء . وقيل إنه صلة { خبيرا } .
وقوله { وما بينهما } مع جمعه { السماوات } قبل سائغ من حيث عادل لفظ { الأرض } لفظ { السماوات } ونحوه قول عمرو بن شييم : [ الوافر ]
ألم يحزنك أن جبال قيس . . . وتغلب قد تباينتا انقطاعا{[8859]}
من حيث عادلت جبالاً جبالاً ، ومنه قول الآخر : [ الكامل ]
إن المنية والحتوف كلاهما . . . يوفي المخارم يرقبان سوادي{[8860]}
وقوله { في ستة أيام } اختلفت الرواية في اليوم الذي ابتدأ الله فيه الخلق ، فأكثر الروايات على يوم الأحد ، وفي مسلم وفي كتاب الدلائل يوم السبت ، وبين بكون ذلك { في ستة أيام } وضع الإناءة والتمهل في الأمور لأن قدرته تقضي أنه يخلقها في طرفة عين لو شاء لا إله إلا هو ، وقد تقدّم القول في الاستواء ، وقوله { الرحمن } يحتمل أن يكون رفعه بإضمار مبتدأ أي هو { الرحمن } ويحتمل أن يكون بدلاً من الضمير في قوله { استوى } وقرأ زيد بن علي بن الحسين «الرحمنِ » بالخفض{[8861]} ، وقوله { فاسأل به خبيراً } فيه تأويلان : أحدهما { فاسأل } عنه و { خبيراً } على هذا منصوب إما بوقوع السؤال عليه والمعنى ، اسأل جبريل والعلماء وأهل الكتب المنزلة ، والثاني أن يكون المعنى كما تقول لو لقيت فلاناً لقيت به البحر كرماً أي لقيت منه والمعنى فاسأل الله عن كل أمر ، و { خبيراً } على هذا منصوب إما بوقوع السؤال وإما على الحال المؤكدة كما قال { وهو الحق مصدقاً }{[8862]} [ البقرة : 91 ] ، وليست هذه بحال منتقلة إذ الصفة العلية لا تتغير{[8863]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.