أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

{ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن }فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة قلوبهم لسانهم في الإيمان ، { الله أعلم بإيمانهن }فإنه المطلع على ما في قلوبهم { فإن علمتموهن مؤمنات }العلم الذي يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الإمارات وإنما سماه علما إيذانا بأنه كالعلم في وجوب العمل به ، { فلا ترجعوهن إلى الكفار } أي إلى أزواجهن الكفرة لقوله :{ لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } والتكرير للمطابقة والمبالغة أو الأولى لحصول الفرقة والثانية للمنع عن الاستئناف ، { وآتوهم ما أنفقوا }ما دفعوا إليهن من المهور وذلك لأن صلح الحديبية جرى على أن من جاءنا منكم رددناه ، فلما تعذر عليه ردهن لورود النهي عنه لزمه رد مهورهن إذ روي أنه عليه الصلاة والسلام كان بعد صلح الحديبية إذ جاءته سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة ، فأقبل زوجها مسافر المخزومي طالبا لها فنزلت فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفت ، فأعطى زوجها ما أنفق وتزوجها عمر رضي الله تعالى عنه { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن }فإن الإسلام حال بينهن وبين أزواجهن الكفار ، { إذا آتيتموهن أجورهن }شرط إيتاء المهر في نكاحهن إيذانا بأن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام المهر ، { ولا تمسكوا بعصم الكوافر }بما يعتصم به الكافرات من عقد وسبب جمع عصمة والمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات وقرأ البصريان { ولا تمسكوا }بالتشديد ، { واسئلوا ما أنفقتم }من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار ، { وليسئلوا ما أنفقوا } من مهور أزواجهم المهاجرات ، { ذلكم حكم الله }يعني جميع ما ذكر في الآية { يحكم بينكم }استئناف أو حال من الحكم على حذف الضمير أو جعل الحكم حاكما على المبالغة والله عليم حكيم يشرع ما تقتضيه حكمته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

أمر الله تعالى أن يؤتى الكفار مهور نسائهم اللاتي هاجرن مؤمنات ورفع الجناح في أن يتزوجن بصدقات هي أجورهن ، وأمر المسلمين بفراق الكافرات وأن لا يمسكوا بعصمهن ، فقيل : الآيات في عابدات الأوثان ومن لا يجوز نكاحها ، ابتداء ، وقيل : هي عامة نسخ منها نساء أهل الكتاب ، والعصم : جمع عصمة : وهي أسباب الصحبة والبقاء في الزوجية ، وكذلك العصمة في كل شيء ، السبب الذي يعتصم به ، ويعتمد عليه ، وقرأ جمهور السبعة والناس : «تُمسِكوا » بضم التاء وكسر السين وتخفيفها من أمسك ، وقرأ أبو عمرو{[11051]} وحده وابن جبير ومجاهد والأعرج والحسن بخلاف «ولا تمسّكوا » من مسك ، بالشد في السين ، وقرأ الحسن وابن أبي ليلى وابن عامر في رواية عبد المجيد : «تَمَسَّكوا » بفتح التاء والميم ، وفتح السين وشدها ، وقرأ الحسن : «تَمْسِكوا » بفتح التاء وسكون الميم وكسر السين مخففة .

ورأيت لأبي علي الفارسي أنه قال : سمعت الفقيه أبا الحسن الكرخي يقول في تفسير قوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ، إنه في الرجال والنساء ، فقلت له : النحويون لا يرون هذا إلا في النساء ، لأن كوافر : جمع كافرة ، فقال وايش يمنع من هذا أليس الناس يقولون : طائفة كافرة ، وفرقة كافرة ، فبهت ، وقلت هذا تأييد{[11052]} .


[11051]:يعني: وحده من بين السبعة المشهورين، وإلا فقد قرأ بها غيره كما ذكر المؤلف.
[11052]:علق أبو حيان الأندلسي في (البحر المحيط) على كلام أبي علي الفارسي بقوله:"وهذا الكوفي معتزلي فقيه، وأبو علي معتزلي، فأعجبه هذا التخريج، وليس بشيء؟ لأنه لا يقال "كافرة" في وصف الرجال إلا تابعا لموصوفها أو يكون محذوفا مُرادا، أما بغير ذلك فلا يُجمع فاعلة على فواعل إلا ويكون للمؤنث".