نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞أَفَلَا يَعۡلَمُ إِذَا بُعۡثِرَ مَا فِي ٱلۡقُبُورِ} (9)

ولما كان المال فانياً لا ينبغي لعاقل أن يعلق أمله به فضلاً عن أن يؤثره على الباقي ، نبهه على ذلك بتهديد بليغ ، فقال مسبباً عن ذلك معجباً ، موقفاً له على ما يؤول إليه أمره : { أفلا يعلم } أي هذا الإنسان الذي أنساه أنسه بنفسه .

ولما كان الحب أمراً قلبياً ، لا يطلع عليه إلا عالم الغيب ، وكان البعث من عالم الغيب ، وكان أمراً لا بد منه ، وكان المخوف مطلق كونه ، لم يحتج إلى تعيين الفاعل ، فبنى للمفعول قوله مهدداً مؤذناً بأنه شديد القدرة على إثارة الخفايا ، معلقاً بما يقدره ما يؤول إليه أمره من أن الله يحاسبه ويجازيه على أعماله ، وأنه لا ينفعه مال ولا غيره ، ولا ينجيه إلا ما كان من أعماله موافقاً لأمر ربه مبنياً على أساس الإيمان واقعاً بالإخلاص : { إذا بعثر } أي أثير بغاية السهولة ، وأخرج وفرق ونظر وفتش بغاية السهولة .

ولما كان الميت قبل البعث جماداً ، عبر عنه بأداة ما لا يعقل ، فقال : { ما في القبور * } أي أخرج ما فيها من الموتى الذين تنكر العرب بعثهم فنشروا للحساب ، أو من عظامهم ولحومهم وأعصابهم وجلودهم وجميع أجسامهم ، وقلب بعضه على بعض حتى أعيد كل شيء منه على ما كان عليه ، ثم أعيدت إليه الروح ، فكان كل أحد على ما مات عليه .