قوله : { أَفَلاَ يَعْلَمُ } لما عد عليه قبائح أفعاله خوّفه ، فقال : { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القبور } .
أحدهما : «بُعْثِرَ » ، نقله مكيٌّ عن المبرِّد . وتقدم تحريره في السورة قبلها .
قال القرطبيُّ{[60727]} : العامل في «إذا » : «بعثر » ، ولا يعمل فيه «يعلمُ » ؛ إذ لا يراد به العلم من الإنسان ذلك الوقت ؛ إنما يراد في الدنيا ، ولا يعمل فيه «خبير » ؛ لأن ما بعد «إن » لا يعمل فيما قبلها ، والعامل في «يَوْمئذٍ » : «خَبِيرٌ » وإن فصل اللام بينهما ؛ لأن موضع اللام الابتداء ، وإنما دخلت في الخبر لدخول «إن » على المبتدأ .
والثاني : ما دل عليه خبر «إن » ، أي : إذا بعثر جوزوا .
والثالث : أنه «يَعْلمُ » ، وإليه ذهب الحوفي وأبو البقاء{[60728]} ، وردّه مكي ، قال : «لأن الإنسان لا يراد منه العلم والاعتبار ذلك الوقت ، وإنما يعتبر في الدنيا ويعلم » .
قال أبو حيان{[60729]} : «وليس بمتضح ، لأن المعنى : أفلا يعلم الآن » .
وكان قال قبل ذلك : «ومفعول «يعلم » محذوف ، وهو العامل في الظرف ؛ أي : أفلا يعلم ما مآله إذا بُعثر » انتهى .
فجعلها متعدية في ظاهر قوله إلى واحد ، وعلى هذا فقد يقال : إنها عاملة في «إذا » على سبيل أن «إذا » مفعول به لا ظرف ؛ إذ التقدير : أفلا يعرف وقت بعثرة القبور ، يعني أن يقر بالبعث ووقته ، و«إذا » قد تصرفت وخرجت عن الظرفية ، ولذلك شواهد تقدم ذكرها .
الرابع : أن العامل فيها محذوف ، وهو مفعول «يَعْلَمُ » ، كما تقدم .
وقرأ العامة : «بُعْثِرَ » - بالعين - مبنيًّا للمفعول ، والموصول قائم مقام الفاعل .
وابن مسعود{[60730]} : بالحاء .
قال الفرَّاءُ : سمعت بعض أعراب بني أسد يقرأ «بحثر » بالحاء ، وحكاه الماوردي عن ابن مسعودٍ .
وقرأ الأسود{[60731]} بن زيد ومحمد بن معدان : «بحث » من البحث .
وقرأ نصر بن عاصم{[60732]} : «بَعْثَرَ » مبنياً للفاعل ، وهو اللهُ أو الملك .
المعنى «أفَلا يَعْلمُ » ، أي : ابن آدم ، «إذَا بُعْثِرَ » أي : أثير وقلب وبحث ، فأخرج ما فيها .
قال أبو عبيدة : بعثرت المتاع ، جعلت أسفله أعلاه .
قال محمد بن كعب : ذلك حين يبعثون{[60733]} .
فإن قيل : لم قال : «بُعثِرَ ما في القُبُور » ولم يقل : من في القبور ؟ ثم إنه - تعالى - لما قال : «مَا فِي القُبورِ » فلم قال : { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } ؟ .
فالجواب عن الأول : أن ما في الأرض غير المكلفين أكثر ، فأخرج الكلام على الأغلب ، أو أنهم حال ما يبعثرون لا يكونون أحياء عقلاء ؛ بل يصيرون كذلك بعد البعث ، فلذلك كان الضمير الأول غير العقلاء ، والضمير الثاني ضمير العقلاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.