اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞أَفَلَا يَعۡلَمُ إِذَا بُعۡثِرَ مَا فِي ٱلۡقُبُورِ} (9)

قوله : { أَفَلاَ يَعْلَمُ } لما عد عليه قبائح أفعاله خوّفه ، فقال : { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القبور } .

العامل في «إذَا » أوجه :

أحدهما : «بُعْثِرَ » ، نقله مكيٌّ عن المبرِّد . وتقدم تحريره في السورة قبلها .

قال القرطبيُّ{[60727]} : العامل في «إذا » : «بعثر » ، ولا يعمل فيه «يعلمُ » ؛ إذ لا يراد به العلم من الإنسان ذلك الوقت ؛ إنما يراد في الدنيا ، ولا يعمل فيه «خبير » ؛ لأن ما بعد «إن » لا يعمل فيما قبلها ، والعامل في «يَوْمئذٍ » : «خَبِيرٌ » وإن فصل اللام بينهما ؛ لأن موضع اللام الابتداء ، وإنما دخلت في الخبر لدخول «إن » على المبتدأ .

والثاني : ما دل عليه خبر «إن » ، أي : إذا بعثر جوزوا .

والثالث : أنه «يَعْلمُ » ، وإليه ذهب الحوفي وأبو البقاء{[60728]} ، وردّه مكي ، قال : «لأن الإنسان لا يراد منه العلم والاعتبار ذلك الوقت ، وإنما يعتبر في الدنيا ويعلم » .

قال أبو حيان{[60729]} : «وليس بمتضح ، لأن المعنى : أفلا يعلم الآن » .

وكان قال قبل ذلك : «ومفعول «يعلم » محذوف ، وهو العامل في الظرف ؛ أي : أفلا يعلم ما مآله إذا بُعثر » انتهى .

فجعلها متعدية في ظاهر قوله إلى واحد ، وعلى هذا فقد يقال : إنها عاملة في «إذا » على سبيل أن «إذا » مفعول به لا ظرف ؛ إذ التقدير : أفلا يعرف وقت بعثرة القبور ، يعني أن يقر بالبعث ووقته ، و«إذا » قد تصرفت وخرجت عن الظرفية ، ولذلك شواهد تقدم ذكرها .

الرابع : أن العامل فيها محذوف ، وهو مفعول «يَعْلَمُ » ، كما تقدم .

وقرأ العامة : «بُعْثِرَ » - بالعين - مبنيًّا للمفعول ، والموصول قائم مقام الفاعل .

وابن مسعود{[60730]} : بالحاء .

قال الفرَّاءُ : سمعت بعض أعراب بني أسد يقرأ «بحثر » بالحاء ، وحكاه الماوردي عن ابن مسعودٍ .

وقرأ الأسود{[60731]} بن زيد ومحمد بن معدان : «بحث » من البحث .

وقرأ نصر بن عاصم{[60732]} : «بَعْثَرَ » مبنياً للفاعل ، وهو اللهُ أو الملك .

فصل في معنى الآية

المعنى «أفَلا يَعْلمُ » ، أي : ابن آدم ، «إذَا بُعْثِرَ » أي : أثير وقلب وبحث ، فأخرج ما فيها .

قال أبو عبيدة : بعثرت المتاع ، جعلت أسفله أعلاه .

قال محمد بن كعب : ذلك حين يبعثون{[60733]} .

فإن قيل : لم قال : «بُعثِرَ ما في القُبُور » ولم يقل : من في القبور ؟ ثم إنه - تعالى - لما قال : «مَا فِي القُبورِ » فلم قال : { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } ؟ .

فالجواب عن الأول : أن ما في الأرض غير المكلفين أكثر ، فأخرج الكلام على الأغلب ، أو أنهم حال ما يبعثرون لا يكونون أحياء عقلاء ؛ بل يصيرون كذلك بعد البعث ، فلذلك كان الضمير الأول غير العقلاء ، والضمير الثاني ضمير العقلاء .


[60727]:الجامع لأحكام القرآن 20/111.
[60728]:الإملاء 2/292.
[60729]:البحر المحيط 8/502.
[60730]:ينظر: المحرر الوجيز 5/515، والبحر المحيط 8/502، والدر المصون 6/561.
[60731]:ينظر السابق.
[60732]:السابق.
[60733]:ذكره القرطبي في تفسيره 30/111.