نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَـٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبۡيَضَّتۡ عَيۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فَهُوَ كَظِيمٞ} (84)

{ وتولى } أي انصرف بوجهه { عنهم } لما تفاقم عليه من الحزن ، وبلغ به من الجهد ، وهاج به{[42509]} باجتماع حزن إلى حزن من الحرق{[42510]} كراهية{[42511]} لما جاؤوا به وإقبالاً على من{[42512]} إليه الأمر { وقال } مشتكياً إلى الله لا غيره ، فهو تعريض بأشد التصريح والدعاء : { يا أسفى } أي يا أشد حزني ، والألف بدل عن ياء الإضافة لتدل على بلوغ الأسف إلى{[42513]} ما لا حد له ، وجناس " الأسف " مع " يوسف " مما لم يتعمد{[42514]} ، فيكون مطبوعاً ، فيصل إلى نهاية الإبداع ، وأمثاله في القرآن كثير { على يوسف } هذا أوانك الذي ملأني بك فنادمني كما أنادمك ، وخصه{[42515]} لأنه قاعدة إخوانه ، انبنى{[42516]} عليها وتفرع{[42517]} منها ما بعدها { وابيضت عينه } أي انقلب سوادهما إلى حال البياض كثرة الاستعبار ، فعمي البصر { من الحزن } الذي هو سبب البكاء الدائم الذي هو سبب البياض ، فذكر السبب الأول ، يقال{[42518]} : بلغ حزنه عليه السلام حزن سبعين ثكلى وما ساء ظنه قط .

ثم علل ذلك بقوله : { فهو } أي بسبب الحزن { كظيم } أي شديد الكظم لامتلائه من الكرب ، مانع نفسه من عمل ما يقتضيه ذلك من الرعونات{[42519]} بما آتاه الله من العلم والحكمة ، وذلك أشد ما يكون على النفس وأقوى ما يكون للحزن ، فهو فعيل{[42520]} بمعنى مفعول ، {[42521]} وهو{[42522]} أبلغ منه ، من كظم السقاء - إذا شده{[42523]} على ملئه .

ومادة " كظم " تدور على المنع من الإظهار ، يلزمه{[42524]} الكرب - لأنه من شأن الممنوع مما قد امتلأ منه ، ويلزمه{[42525]} الامتلاء{[42526]} ، لأن ما دونه ليس فيه قوة الظهور ، كظم غيظه{[42527]} -إذا سكت بعد امتلائه منه ، وكظمت السقاء - إذا ملأته{[42528]} وسددته{[42529]} ، وكظم البعير جرته{[42530]} - إذا ردها وكف ، والكظم : مخرج النفس ، لأنه به{[42531]} يمنع من الجري في هواه ؛ والكظامة : حبل يشد به خرطوم البعير ، لمنعه مما يريد ، وأيضاً يوصل بوتر القوس العربية ثم يدار بطرف السية{[42532]} العليا ، منعاً له من الانحلال{[42533]} وأيضاً قناة في باطن الأرض يجري فيها الماء ، لأنه يمنع الماء من أن يأخذ في هواه فيرتفع في موضع النبع فيظهر على وجه الأرض ، وخرق يجري فيه الماء من بئر إلى بئر ، لأنه لا يصنع إلا عند ضعف إحدى البئرين ، فلولاه لفاضت القوية{[42534]} ، فهو تصريف لمائها في غير وجهه ، وكظامة{[42535]} الميزان : المسمار الذي يدور فيه اللسان ، لأنه يربطه فيمنعه من الانفكاك{[42536]} ، ويقال : ما زلت كاظماً يومي كله ، أي ممسكاً عن الأكل وقد امتلأت جوعاً ، وقد يطلق على مطلق المنع ، ومنه{[42537]} كاظمة - لقرية على شاطىء البحر ، لأن البحر قد كظمها{[42538]} عن الانفساح{[42539]} وكذا هي منعته عن الانسياح .


[42509]:زيد من م.
[42510]:في ظ: الحرف.
[42511]:زيد من م ومد.
[42512]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: ما امن- كذا.
[42513]:سقط من مد.
[42514]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لم تتعمد.
[42515]:في م: خصصه، وفي مد: حضه.
[42516]:في م: التي.
[42517]:في ظ: تفرعني.
[42518]:راجع لباب التأويل 3/252.
[42519]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الرعانات.
[42520]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: فعول.
[42521]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: فهو.
[42522]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: فهو.
[42523]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: شيده.
[42524]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[42525]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[42526]:في ظ: الإملاء.
[42527]:من القاموس، وفي الأصول: غيضه.
[42528]:من م ومد، وفي الأصل: املاته، وفي ظ: امتلاته.
[42529]:في م: شددته.
[42530]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: حزنه.
[42531]:سقط من ظ.
[42532]:من ظ و م ومد والقاموس، وفي الأصل: الثنية.
[42533]:في ظ: الانحال.
[42534]:من م ومد، وفي الأصل: القربة، وفي ظ: القوة.
[42535]:من م والقاموس، وفي الأصل و ظ ومد: كظماة.
[42536]:في ظ: الانعكاس.
[42537]:زيد من م ومد.
[42538]:من م، وفي الأصل و ظ: عند الانفساخ، وفي مد: عن الانفساخ.
[42539]:من م، وفي الأصل و ظ: عند الانفساخ، وفي مد: عن الانفساخ.