ولما أمرهم بالامتياز أمراً إرادياً حكمياً ، فامتازوا في الحال ، وأسروا الندامة وسقط في أيديهم فعضوا الأنامل ، وصروا بالأسنان ، وشخصت منهم الأبصار ، وكلحت الوجوه ، وتقلصت الشفاه ، ونكست الرؤوس وشحبت الألوان ، وسحبوا على الوجوه ، وكان من فنون المساءة وشؤون الحسرة ما تعجز عنه العقول ، وتذوب من ذكره النفوس ، وتنخلع القلوب ، قال سبحانه موبخاً لهم في تلك الحال بهذا المقال معللاً حكمه عليهم بذلك بأنه لم يتركهم هملاً بل ركب فيهم من العقول ونصب لهم من الدلائل على كماله ما هو كافٍ لهم في النجاة ثم ما وكلهم إلى ذلك ، بل أرسل إليهم رسلاً وأنزل عليهم كتباً : { ألم أعهد } أي أوصيكم إيصاء عظيماً بما نصبت من الأدلة ، ومنحت من العقول ، وبعثت من الرسل ، وأنزلت من الكتب ، في بيان الطريق الموصل إلى النجاة ، لافتاً القول عن مظهر الإحسان إلى ما هو أولى به من مظهر التكلم بالوحدة دفعاً للبس ، ثم أشار إلى علوه وجلاله ، وعظمه وسمو كماله فقال : { إليكم } .
ولما كان المقصود بهذا الخطاب تقريعهم وتوبيخهم وتبكيتهم ، وكانت هذه السورة القلب ، وكان القلب أشرف الأعضاء ، وكان الإنسان أشرف الموجودات ، خصه بالخطاب لأنه خطابه خطاب للجن فقال مؤكداً ما أفهمه حرف الغاية من علو رتبته ، وعظيم منزلته بما أشارت إليه أداة البعد : { يا بني آدم } أي فلم أخصكم بذلك عن أبناء غير نوعكم ليكون ذلك التخصيص حاملاً لكم على العصيان بل ليكون موجباً للطاعات والعرفان : { أن لا تعبدوا الشيطان } أي البعيد المحترق بطاعتكم له فيما يوسوس لكم به ، ثم علل النهي عن عبادته بما يقتضي شدة النفرة منه بعد أن لوّح إلى ذلك بوصفه فقال : { إنه لكم } والتأكيد لأن أفعالهم أفعال من يعتقد صداقته { عدو مبين * } أي ظاهر العداوة جداً من جهة عداوته لأبيكم العداوة التي أخرجتكم من الجنة التي لا منزل أشف منها ، ومن جهة أمره لكم بما يبغض الدنيا من التخالف والتخاصم ، ومن جهة تزيينه للفاني الذي لا يرغب فيه عاقل لو لم يكن فيه عيب غير فنائه ، فكيف إذا كان أكثره أكداراً وأدناساً وأوضاراً ، فكيف إذا كان شاغلاً عن الباقي ، فكيف إذا كان عائقاً عن المولى ، فكيف إذا كان مغضباً له حاجباً عنه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.