الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (60)

قوله : { أَعْهَدْ } : العامَّةُ على فتحِ الهمزةِ على الأصلِ في حرفِ المضارعة . وطلحة والهذيل بن شرحَبيل الكوفي بكسرِها . وقد تقدَّم أنَّ ذلك لغةٌ في حرفِ المضارعةِ بشروطٍ ذُكرت في الفاتحة وثَمَّ حكايةٌ . وقرأ ابنُ وثَّاب " أَحَّدْ " بحاءٍ مشددةَ . قال الزمخشري : " وهي لغةُ تميمٍ ، ومنه " دَحَّا مَحَّا " أي : دَعْها معها ، فقُلِبَتْ الهاءُ حاءً ثم العينُ حاءً ، حين أُريد الإِدغامُ . والأحسنُ أَنْ يُقال : إنَّ العينَ أُبْدِلَتْ حاءً . وهي لغةُ هُذَيلٍ . فلمَّا أُدْغِم قُلب الثاني للأول ، وهو عكسُ بابِ الإِدغامِ . وقد مضى تحقيقُه آخرَ آلِ عمران . وقال ابن خالويه : " وابن وثاب والهذيل " أَلَمْ إعْهَدْ " بكسر الميم والهمزة وفتح الهاء ، وهي على لغةِ مَنْ كسرَ أولَ المضارعِ سوى الياءِ . ورُوي عن ابنِ وثَّاب " اعْهِد " بكسرِ الهاءِ . يُقال : عَهِد وعَهَد " انتهى . يعني بكسر الميم والهمزة أنَّ الأصلَ في هذه القراءةِ أَنْ يكونَ كسرَ حَرْفَ المضارعةِ ثم نَقَلَ حركتَه إلى الميمِ فكُسِرَتْ ، لا أنَّ الكسرَ موجودٌ في الميمِ وفي الهمزةِ لفظاً ، إذ يَلْزَمُ من ذلك قَطْعُ همزةِ الوصلِ وتحريكُ الميمِ مِنْ غيرِ سبب . وأمَّا كَسْرُ الهاءِ فلِما ذُكِرَ من أنه سُمِعَ في الماضي " عَهَدَ " بفتحها . وقولُه : " سوى الياء " وكذا قال الزمخشريُّ هو المشهورُ . وقد نُقِل عن بعضِ كَلْبٍ أنهم يَكْسِرون الياءَ فيقولون : يِعْلَمُ .

وقال الزمخشري فيه : " وقد جَوَّزَ الزجَّاجُ أن يكون من باب : نَعِمَ يَنْعِمُ ، وضَرَب يَضْرِب " يعني أنَّ تخريجَه على أحدِ وجهين : إمَّا الشذوذِ فيما اتَّحذ فيه فَعِل يَفْعِلُ بالكسر فيهما ، كنَعِمَ يَنْعِمُ وحَسِب يَحْسِبُ وبَئِسَ يَبْئِسُ ، وهي ألفاظٌ عَدَدْتُها في البقرة ، وإمَّا أنه سُمِعَ في ماضيه الفتحُ كضَرَبَ ، كما حكاه ابنُ خالَوَيْه . وحكى الزمخشري أنه قُرِئ " أَحْهَدْ " بإبدالِ العينِ حاءً ، وقد تقدَّم أنها لغةُ هُذَيْلٍ ، وهذه تُقَوِّي أنَّ أصلَ " أَحَّد " : أَحْهَد فأُدْغِمَ كما تقدَّم .